في البدايه كل الشكر لصحيفة غران على استحداث هذه الزاوية وهذا يدل على شمولية اهتماماتها بكل فئات المجتمع، و يسعدني أن استعرض معكم عبر هذا المقال بعض المحطات في حياتي التعليمية ، والعملية وأتمنى أن تجدوا فيها ما يفيدكم فيها من تجارب الحياة والإصرار على الهدف و الثقة بعظيم فضل الله.
– ولعل ما تميز به جيلنا هو أنه جيل البدايات في التعليم و خوض تلك التجربة ليس بالأمر الهين فطبيعة الإنسان غالبآ هي رفض كل أمر جديد و من ذلك تعليم الفتاةر.. فعندما افتتحت أول مدرسة ابتدائية في محافظة خليص وكانت في حي المغاربة عام 1389 انقسم الناس إلى مبادر بتسجيل بناته وهم غالبآ من حي المغاربة لأن المدرسة قريبة من بيوتهم وجاءت بطلب من بعض شيوخهم رحمهم الله، أما الأحياء البعيدة فكان التردد أو الرفض هما سيدا الموقف، لذلك لم التحق بالمدرسة ألا في سنتها الثالث من بدايتها و كنت أنا و بعض قريباتي أول مجموعة من حارتنا التحقت بالمدرسة وقد سمعنا في البداية كثيرا من النقد وخاصة أن الطريق إلى المدرسة طويل و لا توجد سيارات لنقلنا، واستمرت المعارضة من قبل بعض الاشخاص في المجتمع لعدة سنوات حتى أذكر أنني كنت اتحاشى اخراج الكتب المدرسية أمام بعض الناس الذين أعرف أنهم ضد التعليم..
ولا استطيع مهما قلت أن أصف لكم حبنا وشغفنا بالدراسة تلك الأيام كنا نتقبل من معلماتنا كل التوجيهات بحب وجدية وحماس ، نعيش أجواء المدرسة بكل الثقة وعندما ينتهي اليوم الدراسي ونعود للمنزل نعيد تمثيل يومنا الدراسي وكل ما تعلمناه في ذلك اليوم..
– وعندما تخرجت الدفعة الأولى من المرحلة الابتدائية بقيت الطالبات في المنزل مدة عام لأنه لايوجد مدرسة متوسطة ، وكانت الامتحانات في تلك الفترة كانت مركزية من الوزارة في جميع المراحل ومنها المرحلة الابتدائية..
– وبعد عام من تخرج الدفعة الأولى تم افتتاح المدرسة المتوسطة الأولى بخليص في عام ١٣٩٦ هـ.
وفي المرحلة المتوسطة واجهت أنا واغلب زميلاتي صعوبات إضافية حيث النظام لا يسمح للمتزوجة أن تكمل دراستها منتظمة ، فاضطررنا لإكمال الدراسة منتسبات في المرحلة المتوسطة وكان سن الزواج في ذلك الوقت مبكرا جدا ، فاغلبنا كانت في الخامسة عشرة وهي متزوجة وربما لديها طفل ! وعادت المعارضة للتعليم بصورة جديدة فكيف تكون متزوجة و تذهب إلى المدرسة ! ورضخ أغلب الفتيات لوجهة النظر هذه و قطعن الدراسة ، وقد يسر الله لي أنا و بعض زميلاتي أن نكمل المرحلة المتوسطة عن طريق الانتساب وكان مسموحآ لنا بحضور الحصص، وكان زوجي رحمه الله يشرح لي جميع المواد الدراسية تقريبآ.
وفي هذا الوقت تم افتتاح معهد المعلمات بالمحافظة عام ١٣٩٩هـ والتحق به ثلاث دفعات فقط ثم اقفل وتم افتتاح الثانوية الأولى بخليص عام ١٤٠٢ هـ.
وعندما اكملت المرحلة المتوسطة التحقت بالثانوية الأولى أيضا منتسبة وكنا في هذه المرحلة نواجه سؤالا محيرآ لم أعرف إجابته أبدا في تلك الأيام وحتى الآن لاتحضرني إجابة شافية لهذا السؤال المحبط ! ربما لأنه لا يستحق الإجابة ولا ينبغي أن يطرح .. فكم مرة سمعنا وتجاهلنا هذا السؤال :
” إلى متى الدراسة؟؟؟ وماذا تريدون بعد القراءة والكتابة؟؟”
ومرت الأيام وأكملنا المرحلة الثانوية وكانت المعارضة للتعليم قد خفت كثيرآ لكن بقي التنمُّر على دراسة المتزوجات فكان بعض الناس يرونه إهمالا لبيوتنا لا مبرر له.
وقد شعرت أنني تعبت من هذا الجدال الاجتماعي العقيم وقررت بيني وبين نفسي أن أكتفي بالشهادة الثانوية..
– ولكن إراد الله سبحانه أن يزورنا في منزلنا الدكتور عوني،و كان صديقآ لزوجي رحمهما الله ، و كان يريد تسجيل زوجته في الجامعة حيث أكملت دراستها في ثانوية خليص منتسبة في نفس العام وكان لحديثه عن أهمية التعليم أثر كبير، وقررنا في اليوم التالي أن التحق بكلية التربية وذلك عام ١٤٠٨ هـ.
-ومن الأمور الرائعة في تلك الأيام أن تعيين الخريجات يتم في نفس العام و في نفس منطقتها وجاء تعيني في المتوسطة الأولى بخليص ١٤١٣ هـ ، وهي المدرسة التي درست بها المرحلة المتوسطة وبقيت فيها طوال فترة عملي٢٠ عامآ حتى تقاعدت ..
-لذلك فإن هذه المدرسة تربطني بها حالة عاطفية خاصة ويسعدني حتى المرور بجوارها وسماع اسمها. وأتذكر أنني كنت متحمسة جدا لتعليم اللغة العربية تخصصي الذي أحبه جدآ وجمعتني علاقة رائعة بطالباتي، وكنت أتمنى أن أبقى معلمة.. وشاء الله بعد عام واحد من عملي أن تنتقل مديرة المدرسة وهي معلمتي و صديقتي إلى منطقة أخرى و يصبح مكانها شاغرآ ولم تقبل أي معلمة أن تستلم الإدارة ، فحضرت مديرة الإشراف في ذلك الوقت الأستاذة مجيدة الفارسي وهي معلمتي من المرحلة الإبتدائية و أكنُ لها كل الحب، ولا أستطيع أن أرفض لها طلبآ وكلفتني بالإدارة ووعدتني أنها ستعيدني معلمة بمجرد أن تجد من تقبل باستلام الإدارة ! ومر عام و لم يقبل أحد ورضيت أنا بالواقع وأحببت عملي وزميلاتي و طالباتي..
– وفي تلك الفترة رزقني الله بأحب عمل إلى نفسي وهو التطوع في جمعية البر بالمحافظة عام ١٤٢١ و مازلت مستمرة والحمد لله بهذا العمل الرائع -وأدعوا كل أخت أن تجعل جزءآ من وقتها للتطوع في أي مجال وسوف ترين البركة و الخير و التوفيق في الدنيا قبل الآخرة، ومن جرب عمل الخير فقد عرف السعادة الحقيقية..
– وقبل الختام أحب أن أذكر لكم بعض النقاط كي تروا مقدار التحول الهائل في المجتمع :
– أيام الدراسه كنا نستقبل الضيوف في أوقات الاختبارات النهائية وكانت مركزية من الوزارة حتى في المرحلة الابتدائية كما قلت لكم ومن العيب أن نعتذر عن استقبالهم.
-لم يكن تفكيرنا وهدفنا في بداية التعليم الحصول على وظيفة و لم يخطر على بال أحد منا أن تصبح معلمة يومآ ما وكان الحب للتعليم لمجرد أنه تعليم ..
– كان والدي رحمه الله لا يهتم بآراء الآخرين إذا اقتنع بأمر وهذا مما ساعدني كثيرا على الاستمرار في الدراسة ، إضافة أن والدتي حفظها الله هي التي شجعتنا وكانت تعتني بأطفالي طيلة الوقت ..
– أغلب معلماتنا كانوا من مصر وبلاد الشام وكان لهم الفضل بعد الله في حبنا للدراسة وتعلقنا بالعلم، ولا زلت أتواصل مع ثلاث من معلماتي في المرحلة المتوسطة والثانوية، وهنَّ: مريم جومر من سوريا، وإنصاف عرب من الأردن، وراوية أم أحمد من مصر، وكل صباح أرسل لهن رسائل و تصلني منهُنّ رسائل ..
-خلال مدة عملي في التعليم والتي استمرت 20 عامآ لم أتغيب إلا يومين فقط والحمد لله بالرغم من بعض الظروف التي مررت بها..
-في بداية عملنا كنا نستلم الرواتب مناولة من المحاسب وتعودنا على إخراج مبلغ بسيط من الراتب كصدقة بمجرد استلامه ، ولعل ذلك هو سبب البركة في مالنا تلك الأيام..
أخيرآ : تقبلوا تحياتي و شكري وتقديري .. وفق الله الجميع
حميدة عبدالله الصبحي
مديرة المدرسة المتوسطة الأولى بخليص (سابقاً)
مديرة الإدارة النسائية بجمعية البر الخيرية بمحافظة خليص (حالياً)