إن من العناية بموضوع (الفكر الأمني) ودواعي البحث في فروعه وعلاقته بالحياة الاجتماعية العامة، أننا نعيش في المملكة العربية السعودية في هذه البلاد الشاسعة التي أكرمها الله سبحانه وتعالى بنعمة (الأمن) ورغد العيش نتيجة لعملها بكتاب الله وسنة رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقد أسست وأرست المملكة دعائم حكمها على قواعد الإسلام واتخذت من أصوله فيالعقيدة والشريعة دستورا لها ومنهاجاً لحياتها وأصبحت محط أنظار العالم الإسلامي ومهوى أفئدة شعوبه ومعقد تطلعاته لبلوغ آماله.
وقد زادنا الله سبحانه وتعالى تكريما وتشريفا في هذه الدولة رعاة ورعية حكاما ومحكومين بخدمة الحرمين الشريفين والسعي في إيصال الخير إلى المسلمين في مختلف أنحاء الدنيا لا جرم أن هذا التكريم والتشريف نعمه جليلة من الله سبحانه وتعالى أنعم بها على أولي الأمر في المملكة العربية السعودية وأبنائهاعلى السواء، والنعمة تفرض علينا التوجه إلى المنعم بها شكراً وتقديراً كما تستحق منا، وتفرض علينا التأهيل والاستعداد لأداء ما تتطلبه من واجبات حفظها، والتمسك بأسباب استمرارها استجابة لقول الله تعالي :( وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، فهي أمانة عظيمة كلفنا الله سبحانه وتعالى بأدائها وأمننا عليها أولا ثم هي مسؤولية تنبع من عهد ما بيننا و بين ولاة الأمر فينا من وجوب السمع والطاعة وبذل النصح لهم أولئك الذين يحرصون على راحتنا (وفقهم الله لكل خير) على تحقيق (الأمن) في المملكة ونشر الاستقرار في جميع أرجائها كما يزالوا حتى الآن في خدمة المسلمين أينما كانوا وعلى وجه خاص، حينما يحلون بالمملكة العربية السعودية ضيوفاً على أهلها قادة وشعباً وحينما ينزلون من البلاد شرقاً وغرباً شمالاً و جنوباً وبخاصة في مدينتي الإسلام والإيمان مكة المكرمة والمدينة المنورة.
إن الرسالة التي تحملها المملكة المباركة أدام الله عليها فضله وحفظها من كل سوء وما أخذته على عاتقها من حمل أمانة الدعوة إلى الإسلام وبيان صورته الجميلة التي تدعو لألسلام العالمي والانسانية والإخاء والتعايش والتي شوهت في مراحل التاريخ السابقة من بعض من ينتمون إليه وحملت بلادنا الحبيبة على عاتقها الحفاظ على مقوماته الحضارية والعمل بشريعته للعاملين بها من أمن ورخاء واستقرار وعدل إن هذا ليزيد من الشعور بعظم النعمة وعظم المسؤولية حيالها بآن واحد.
فالفكر لغةً هو تأمل القلب وتردده.
واصطلاحاً هو أن الشخص يرتب بعقله ما بعقله حتى يصل إلىالشيء المطلوب سواءً علميا أو ظنيا (الحيدر1423).
أما الأمن هو حال يكون الشخص مستقراً في بلده يحس بالأمان والطمأنينة ولا ينقصه شيء سواء في دينه وأمواله أو عرضه أو عقله.
وبعدُ وكما سبق الإشارة فإن هذا المقال الذي بين يدي يتناول موضوعاً من أهم الموضوعات التي تشغل هموم الناس فرادى وجماعات وتمس حياتهم واستقرارهم فيها مساً جوهرياً كما ترجع أهمية الموروث التاريخي والاجتماعي في (الفكر الأمني) لدي الجيل إلى ارتباطه بأنواع (الأمن) الأخرى، وأنه الأساس لها والركن الأهم في منظومة بنائها.
وانطلاقًا من هذا المبدأ أحببت الكتابة في موضوع يسهم في الحفاظ على (الفكر الأمني) ويساعد في تجلية حقيقته إذ يعتبر الفكر الأمني من أهم أنواع (الأمن) وأخطرها لما له من الصلة المتينة بالهوية الجماعية التي تحددها الثقافة الذاتية المميزة بين أمة وأخرى فالأمة المسلمة أولى من غيرها بحماية فكرها وثقافتها وهويتها الإسلامية والحضارية من الاضمحلال أمام أخطار الغزو الثقافي الذي تعددت أساليبه وتنوعت أشكاله كما تطورت تطوراً عجيباً بحيث لم يعد العدو الخارجي بحاجة إلى الغزو التقليدي الذي يعتمد على الأسلحة المادية التي تفتك بالأبدان وتزهق الأرواح فقد كُفي مؤنه ذلك كله بما استحدث من هذه الأسلحة الجديدة التي تغتال العقائد وتفتك بالمبادئ وتهدم القيم.
الفكر الأمني يعتبر من أهم أنواع الأمن و أساسها لذا واجب علينا:
1- بتوجيه العناية والنظر للفكر وذلك بتوفير كل الأسباب والحماية والعمل على استقامتهِ والمحافظة عليه من قبل الأسرة والمجتمع والدولة، كما علينا العمل على دراسته ورصد كل ما من شأنه أن يؤثر على سلامة هذا الفكر واستقامته.
2- المعالجة للأسباب التي تكون سببا في اختلال (الأمن) في المجتمع ويجب أن يكون بشكلٍ مترابط ومتكامل من غير أن نفصل بين أنواع (الأمن ) ولا نفرق بين تلك الأسباب.
3- إن النظرة الشاملة والمتكاملة تجعل المعالجة بصورة متكاملة وشاملة وواضحة وهذا يوفر على الجهات المختصة (بأمن ) المجتمع والعمل على حماية الأمة من تبعات الفصل في المعالجة وبين أسباب الاختلال (الأمن) فيعمل على إيصال النتائج والغايات المثمرة والمحمودة في أسرع وقت .
4- أن تكون المعالجة الأمنية من أرض واقع الأمة تشتق من مصادر فكرها وعقيدتها وتعمل على قضاء حاجتها بدون تقصير وجد.
تعلق الفكر الأمني بالمحافظة على الدين وهو من الضرورات الخمس التي جاء بها الدين الإسلامي وشريعته وحمايته والمحافظة عليه. وإن الإسلام هو دين الأمة (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلام) آل عمران 19، والإسلام هو مصدر عزها وقوتها، وهو أساس تمكينها في الأرض لذا علينا أن ندرك بأن الإخلال بالفكر الأمني يؤدي ويعمل على تفرق وتشتت الأمة وتقسمها إلى أحزاب أو شيعا تتنافر بها القلوب وقلوب الأبناء ويصبح بينهم بأس وتنافر فتذهب ريح (الأمة) فتختلف كلمتها وتتنافر قلوبها وتتشتت كلمتها وشملها، ولقد نهانا الله عن الافتراق والاختلاف، وإن العادات والتقاليد ونمط التفكير وكل أشكال العلاقات الاجتماعية وتقدمات العصر كلها عناصر قد تتفاعل وربما تمتزج بواقعنا الآن؛ لذا علينا أن نستمد صلابتنا وقوتنا من ثقافتنا الإسلامية والعربية التي تبين لنا ملامح التراث والموروث الذي أثبت أن له دور في المجتمع لأن المجتمع نتاج للتاريخ الذي مضي لذا فإن دمج الحاضر مع الماضي بشكل غير إيجابي يجعلنا لا نرى أشياء مهمة وأساسية في بناء هذا الجيل والمجتمع وهي علاقته مع المجتمعات الأخرى وتفاعله بدون شعور بقيمة تفرده يفقد أسراره وخصوصياته التي تميز مجتمعنا عن المجتمع الآخر حتى تغيب الهوية الثقافية للمجتمع ولتاريخه.
فاطمة أحمد محمد السعد
مقالات سابقة للكاتب