والدي معلمي الأول

تدور عجلة الحياة ليمر الإنسان خلالها بعدد من المحطات، تبدأ بالطفولة وصولاً إلى الدراسة، ثم التخرج والعمل وتشكيل أسرة، ليصل قطار العمر إلى محطة التقاعد، التي يشعر خلالها الإنسان بأنها محطته الأخيرة، فقد أصبح من وجهة نظر البعض ذلك العاجز الذي استنفذ فرصه في هذه الدنيا، وما عليه الآن سوى أن ينتظر أن تحين مشيئة الله ليغمض عينيه إلى الأبد، هذا ما يشعر به البعض، لكن هناك فئة ليست قليلة من الناس تشعر بأن التقاعد هو بداية لمرحلة جديدة وحياة جديدة تتسم بالعطاء، وقد تحوي أسعد الأوقات.

ومما هو متعارف عليه إن المتقاعد يصبح في ثنايا المجتمع في خضم النسيان ، لكن صحيفة غران كسرت هذا العرف ، فجزاها الله خير الجزاء وجزى كل العاملين عليها ووفقهم للاهتمام بكافة فئات المجتمع ودعوتهم لنا للكتابة في هذه الزواية شرف لنا.

الحمدلله إنني كنت من الرعيل الأول في التعليم ، حيث افتتحت مدارس البنات في البريكة عام ١٣٩٨ للهجرة والتحقت بالمرحلة الابتدائية عام  ١٣٩٩هـ وفعلاً كان يميز جيلنا الشغف الشديد للعلم ولم يدر بخلد أحد منا الحصول على وظيفة .

كنت ثاني الدفعات التي التحقت بالتعليم في البريكة وأتممت المرحلة المتوسطة والثانوية بمتوسطة وثانوية البريكة للبنات.

والتحقت بكلية التربية للبنات وتخرجت عام ١٤١٥/١٤١٤ هـ  وتم تعييني في قرية العيبة التابعة لمحافظة الكامل ثم تم نقلي نقلاً داخلياً إلى متوسطة وثانوية البريكة وعملت فيها معلمة لمدة عامين تحت إدارة مديرتي وأنا طالبة الأستاذة/ لطفية الأحمد المنصور من سوريا وفي عام ١٤١٧تم ترشيحي  لإدارة متوسطة وثانوية البريكة ولم أكن أرغب في الإدارة ، لكن شجعني والدي رحمه الله رحمة واسعة على استلامها ، وفي عام ١٤٣٠ انفصلت المرحلة المتوسطة عن المرحلة الثانوية وكلفت بقيادة ثانوية البريكة للبنات حتى عام ١٤٣٩ هـ. 

تلك المدرسة التي ارتبط اسمها باسمي وأصبح تعلقي بها يجري في عروقي ورفضت الترشح لأي منصب من أجل حبي وتعلقي بالمكان فأصبحت مملكتي ، حتى شاء الله أن أقدم تقاعد مبكر في نهاية العام الماضي . 

وأود أن أتكلم في هذه الزواية عن قائد فذ له الفضل الكبير في كل ما وصلت إليه إنه والدي رحمه الله الشيخ حميد أبوجرادة ، فقد تعلمت منه الثقة بالنفس ومحبة خدمة الآخرين وتعلمت أصول القيادة في العمل منه .

كان رجلاً محباً للعلم وأهل العلم ، وأعتقد إنه المؤسس الحقيقي ليوم المعلم .

كان يخصص يوماً للاحتفاء بالمعلمات في منزلنا ويقيم لهن الوليمة تشجيعاً لهن على مايقمن به ، وكنا آنذاك معلماتنا من مصر وسوريا والأردن ، فقد كنت في الصف الرابع الابتدائي وأذكر هذا الموقف ومدى تآثيره على نفوس معلماتي – جزاهن الله خير الجزاء – هذا أول درس في القيادة تعلمته منه وانطلقت في الاهتمام بيوم المعلم من وقتها . 

وكانت أي معلمة جديدة تباشر في المنطقة لابد أن تأخذ واجبها ، دروساً تعلمنا منها الكرم ، وكان في أيام الاختبارات يتكلف بعمل وجبة غداء للمعلمات سواء كنت معلمة في وسطهن أو قائدة ، و غير ذلك الكثير من المواقف الايجابية في حق المعلم أو المعلمة.

أعطاني الثقة بأني لدي علم وإني قادرة على التدريس فعمدت إلى تدريس محو الأمية لأقاربي في البيوت وكنت آنذاك بالصف الخامس الابتدائي فآخذت واكتسبت تربية عملية على التدريس وعلى حلاوة العطاء ونفع الناس.

ورباني على إن خدمة مجتمعي وقريتي مسئوليتي وعلي أن أتفانى في ذلك على الرغم من قلة الإمكانيات ، فبالطاقة الإيجابية التي كنت أستمدها منه عمدت إلى فتح مقر متواضع لتحفيظ القرآن الكريم وكانت البذرة الأولى لإنشاء مراكز التحفيظ في وادينا ولله الحمد والشكر .

وأحب أن أنوه لعدة نقاط مهمة :

١. القيادة بالقدوة : في أي مكان القائد أو القائدة هما القلب النابض في أي مجال ليس في التعليم فحسب بل في كافة المجالات إذا أراد أن يربي ويؤثر عليه أن يطبق أي تعليمات أو أنظمة على نفسه أولاً وبعد ذلك يرى مدى تآثير ذلك على منظومته سواء في بيت أو مدرسة أومؤسسة .

٢. الطالب أو الطالبة هما عماد المستقبل وهما الأمل المرتقب .. فاالله الله فيهما فالمعلمون والمعلمات يصنعون مجد أمة بإخلاصهم وتفانيهم في إعداد أبناء الجيل والوقوف بجانبهم ، فهم الآن أشد حاجة للوقوف بجانبهما ، والتحلي بالصبر والحكمة حتى نصل بهم إلى بر الأمان . .. قد ينسى المعلم طلابه لكن الطالب من المستحيل ينسى معلمه لما له عليه من تأثير في حياته.

٣. طلابنا وطالباتنا لديهم الكثير من المواهب والإبداعات فهم بحاجة إلى من يحتضن هذه المواهب سواء على نطاق الأسرة أو المدرسة أو المجتمع .                              

٤. الاستفادة من خبرات وتجارب المتقاعدين بحيث تعقد معهم شراكات أو عقد دورات فهم مشروع خبرة ورصيد حكمة ومنجم أفكار.

وفي الختام وطننا يستحق منا الكثير والعطاء غير محصور في فئة معينة بل الجميع مسئول تجاه هذا الوطن المعطاء ، وكلنا فخر بأن بلادنا هي المملكة العربية السعودية… وفق الله جميعاً لخدمة ديننا ووطننا . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

أختكم : مصلحة حميد الجغثمي
قائدة ثانوية البريكة سابقاً
عضوة بالمجلس الاستشاري بمحافظة خليص
وعضوة بالمجلس الثقافي والتنمية الاجتماعية بوادي قديد (حالياً)

8 تعليق على “والدي معلمي الأول

غير معروف

رحم الله الشيخ والأب والأخ والصديق والحبيب حميد أبوجرادة الجغثمي الذي كان مدرسة بكل ما تعنيه الكلمة وقد أحسن تربيتكم يا أم تركي على الوفاء والكرم والمبادرة فكنتم عنوانا لهذه الصفات ومنارة في المحافظة كلها

التقاعد لا يعني كما قلتِ العجز ؛ بل هو انطلاق لمرحلة جديدة من العمل متحررة من قيود الأنظمة والتعليمات ، وهاأنتم تثبتون بعملكم التطوعي أنكم مازلتم شعاعا ينير الدروب .

وفقك الله لك أخير وبارك لك في عمرك وعملك .

أ.نويفعة الصحفي

‏ويبقى الأب ..أول معلم .. أول قدوة .. أول بطل لأبنائه وحياة الأب مع ابنائه حكاية إستثنائية .. فٓلا أحد يضاهيه في حرصه ولا حتى في حبه لإبنائه ..فإن كانت الأم بلاشك هي نبع الحنان فالاب هو الحياة والسند بعد الله الذي يعتمد عليه في قدرتنا على شق طريق الحياة والتعايش مع الاخرين لتحقيق اهدافنا في الحياة .. فقد كان ولا يزال لوالدي بصمات و دروس منه تعلمتها ..
ولعل هذا المقال حرك فينا مشاعر الحنين للوالد ذلك الحتين المليء بالشكر لله ثم للوالد على ما قدم لنا ..فلله درك استاذة مصلحة . كلمات سطرت في هذا المقال وجدت فيها سيرة حياة تشكلت منها شخصية عرفتها والتقيت بتميز عملها قبل ان التقي فيها شخصيا وهي في ميدان العلم والتعليم قائدة ومربية و هذا لم ياتي من فراغ ..فذلك أب ربى وعلم وحفز ووجه واحسن حتى استطاع والدكم بفضل الله وعونه اولا ثم بحرصه وحكمته ان يقدم لنا شخصكم الكريم لينفع مجتمعه بابنته .. وربما هنا اتذكر جملة سمعتها منك ا. مصلحة في احدى لقاءاتي بك ..ان والدكم كثيرا ما كان يردد في مجالسه ذكر اسمك اعتزازا بك ..وهذه من العبارات التي بقيت معي تذكرتها مع هذا المقال ..
حفظك الله وبارك فيك واني لاجدها فرصه لاكتب لك هذه الجملة
” عهد يتجدد ، وعضوية عمل برفقتي بها اسعد ، فمجلس استشاري نسائي يجمعنا ، ولجنة ثقافية بها نبحر . والعطاء معك ا. مصلحة دوما يتجدد والميدان بمثلك يفخر ”
تحياتي لكم .

عبدالعالي حامد المزروعي

رحم الله الشيخ حميد ابو جراده كان علما من اعلام محافظة خليص في البذل والعطاء واصلاح ذات البين

ابو عبد العزيز

والنعم مليون بالشيخ حميّد ابو جرادة رحمه الله ذاك الرجل الخلوق المحب للخير والإصلاح بين الناس كان رحمه الله محبوب من جميع الناس .. وقد قدمتى الكثير لخدمة وطنك واهلك وخاصتك بنات المحافظة فألف شكر لك
ولكل من خدم وطنه باخلاص

معلم وادي قديد

المؤسس الحقيقي ليوم المعلم؟؟؟

فعلا يستحق الشكر من معلمي ومعلمات المملكة العربية السعودية
وتكريمه على مستوى وزارة التعليم لحبه للعلم واهل العلم

حميدة الصبحي

كان لي الشرف، وزرت متوسطة ،وثانوية البريكة مرتين أثناء عملي قائدة للمتوسطة الأولى بخليص، والحقيقة ،وكما قلت في مناسبات سابقة هذه المدرسة موفقة بالمعلمات الرائعات، والقائدات المتفانيات في خدمة التعليم بهذه المحافظة،
وقبل سنتين حضرت مجموعة من طالبات جامعة جدة فرع خليص للتدريب في الإدارة النسائية ببر خليص وعرفت أنهن خريجات ثانوية البريكة وكما توقعت من خبراتي السابقة كانت من أروع المجموعات التي تدربت عندنا وفي كل يوم نلمس من أخلاق هؤلاء الطالبات ومستواهن التعليمي ما يسر كل مخلص ومحب لوطنه،
وتذكرت أن وراء هذا الجيل المهذب الواعي معلمات ، وقائدات مثل أم تركي فجزاهن الله خير الجزاء..
ورحمة الله الشيخ حميد رحمة واسعة.

عبدالرحيم الصبحي - أبو أوس

رحم الله الشيخ حميد الجغثمي الحريص على تنمية المكان الجميل أثرا في المكان الاب لكل من زار البريكة واكتحلت عياناه بلقاء هذا الرجل رحمه الله وأثابه جنة الفردوس وما أنت وأخوتك أستاذة مصلحة إلا نتاج ما زرع هذا الرجل المفضال بارك الله فيكم وفي جهودكم سيرة ولا شك عطرة وشواهد لا تستغرب من بيت هامته تعلو عنان السماء
واللجنة الثقافية تشرفت بأن تكون عضوا من أعضاء القسم النسوي بها نفع الله بك .

ساعد المرامحي ابوهشام

رحم الله الشيخ جميد الجغثمي حضرت في مجلسه كريم يحب عمل الخير له مواقف مشرفه يرحمه الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *