سألت نفسي وأنا أدُوّن سيرتي أين ذهب تدريسي؟ هل قُبِل؟ هل أثمر؟ هل من تبنّى أفكاري؟ هل من نقل خبرتي؟ هل تحققت أهدافي؟ وإن لم يكن كذلك فماذا يفيد؟!فتراجعت حينما قالت لي أختي: اكتبيها لعلها تنفع وتترك أثرًا، وتحدث جبرًا، ويثبت فيها الأجر، وإليكم الخبر:
لاحظ والدي يومًا كيف أتناول دفاتره وأقلبها بين يديّ وأتأمل كتابات ذاك الكَراس وأعجب من رسم حروفه بخط جميل ورائحة الحبر التي تعبق منه ، فأتى لي بمرسام وممحاة ومبراة ودفتر مخطط إنجليزي وخط لي بالقلم وطلب مني محاكاة ما كتب وألحقني بالروضة في مدارس أهلية وأنا ابنة خمسة أعوام، وبعد ذلك دخلت مدرسة حكومية لأن النظام كان لا يقبل من في سني آنذاك وأحرزت تقديرًا عاليًا جعلني في مصاف الأوائل ،وكان والدي يسَر من النتائج التي نقدمها أنا وإخوتي ويقول لنا: (أطلتم رقبتي ورفعتم رأسي) ويرفع قامته ونفرح بذلك، وعرفًا بالجميل كنا نتسابق لتقديم الأفضل وعندما نتأخر أو نخفق لا يُوبّخ، بل كان يقول -رحمه الله : (أهم شيء أن تنجح ) تخفيفًا وتطييبًا للخواطر وهذا عنى لي الشيء الكثير، وفي الصف الرابع أتيته يومًا وقد أصابني الحرج بل الذعر شاكيةً له من المعلمة التي اختارتني لقراءة القرآن عبر الإذاعة المدرسية لأول مرة شجعني و قال لي: ( أقرئي ولا عليك من أحد ) قلت: يا أبي أخاف، قال: ( اعتبريهم رؤوس حبحب ) قرأت وفي البداية تلعثمت، ثم انطلقت، ذلكم كان والدي الطموح الشجاع المربي الذي لم استغنِ البتة عن توجيهاته في كافة حياتي ومراحلي التحصيلية بل والمهنية، وكذلك أمي -حفظها الله- لها النصيب الأكبر وجدتي -رحمها الله-، لقيت منهما الرعاية والتربية والتوجيه والإرشاد وكذلك إخوتي فجزاهم الله عني خيرًا .
وفي مرحلة ثاني ثانوي كنت أحب الأدب وأتذوق الشعر ولي فيه كتابات متواضعة وكنت أنثرها أمام زميلاتي ويبدين لي إعجابهن فشجعني هذا لحفظ أكبر قدر منها.
وفي الجامعة جاءت الفرصة لإثبات جدارتي ومعرفة قدراتي، فتقدمت لمساجلة شعرية نظمها قسم اللغة العربية كنت أحفظ منها ديوان أبي العتاهية والشافعي والذي تميز بالحكمة والزهد وبعضًا مما درسته، ولله الحمد حالفني الحظ وشاركت في أمسيات شعرية وأدبية تعادلت فيها مرة أنا وزميلاتي من أقسام أخرى على قسم اللغة العربية وتغلبت عليهن مرة أخرى، وعلى مسرح الجامعة أيضًا شاركت في فن الخطابة وتفوقت بالمركز الأول على قسم اللغة العربية ولاقيت الدعم والتشجيع والرعاية من عميدة كلية الآداب ولجنة التحكيم وحظيت بجائزة مادية ومعنوية ومنحت كرسي في المجلس الثقافي في الجامعة ومبادرة منهن باختيار مادة دراسة في الأدب الجاهلي لزيادة حصيلتي الشعرية واللغوية حصلت على تقدير امتياز وكان ذلك 1402، ثم انصرفت بالكلية للتحصيل الدراسي وحصلت على شهادة البكالوريوس دراسات إسلامية من جامعة الملك عبد العزيز 1406هـ
تأهلت للتدريس 1406هـ ودرست فروعًا من العلوم الشرعية حتى أسند لي تدريس فرع الفقه ثالث متوسط ( المعاملات ) وكان غير محبب لدى كثير من المعلمات استطعت توصيل المادة بالقدر المتاح، ومما زاد اهتمامي نقد المقرر بتكليف من رئيسة القسم وكان هذا تهيئة منها لترشيحي للإشراف، فقد لاحظت كيف كان التدريس يشغل اهتمامي فظروفي لم تمكنني آنذاك، ولذلك لم تعد المحاولة مرة أخرى.
ولما كان عام 1414هـ حصلت على دورة الفقه للصف ثالث المتوسط في المعاملات نظمها قسم التربية الإسلامية بالإشراف التربوي، وقد جاءت مكملة لاحتياجاتي التدريسية، وحسنت من أدائي ، فعكفت أقرأ وأنهل من هذا الفرع وأقدم أسئلة مبتكرة تحاكي الواقع واستغل الأوقات واللحظات والأحداث في خدمة درسي وأقدم موضوعاته بسلاسة وسهولة وتنوع وأحسن من الأساليب التربوية وطرائق التدريس المعتمدة على النقاشية والقياسية وأحيانًا الاستقرائية حتى أضحت حرفتي وكنت أرى جليًا نظرة التقدير والإعجاب في عيون طالباتي ونتائجهن الجيدة فاكسبني ثقة أكثر ودفعني لتقديم الأفضل.
وفي أثناء تدريسي أوكلت لي المديرة مراقبة دور للطالبات ومتابعة غيابهن والاتصال على أولياء الأمور بل بعد ذلك قمت بمهام المرشدة الطلابية وباقترابي من الطالبات تمكنت شيئًا قليلًا فهم خصائص نموهن وتفسير سلوكهن والوقوف على بعض الحالات والاجتماع بالأمهات بشكل دوري وتقديم الدعم العلاجي اللازم لذوات الضعف والاحتياجات السلوكية والنفسية إلى أن قرأت في كتاب جدد حياتك للدكتور محمد الغزالي وهذا الكتاب له أثر بالغ في شحذ همتي وزيادة عطائي وجعلني أنظر للحياة نظرة إيجابية تفاؤلية وأقبل بالعطايا الربانية لأحقق المكاسب الأخروية، كنت أقدم على التدريس ونفسي تهفو والشوق يحدوني، فكانت خطواتي تتسارع للوصول لحرم المدرسة لألقى طالباتي في انتظاري يتسارعن في تقديم التحية والسلام والحب، وعندما تسلمت الإذاعة المدرسية كان لي فيها صولات وجولات، من مراقبة المحتوى للمادة العلمية المقدمة وتدقيقها واختيار الأنفع منها، فجاءت أجمل الإذاعات مع طالباتي التي وفقت لاكتشاف مواهبهن في الرسم والتمثيل والخطابة والإنشاد وتوظيفها بما يخدم العملية التعليمية ويحق الأهداف والرؤى، وكانت تتسمم بالمشاريع في أغلبها ويصاحبها فعاليات ولوحات إرشادية واستبيان ودعاية وذلك قبل التنفيذ، ما أحلى تلك الأيام وأجمل الذكريات، غفر الله لنا وجبر الزلل والخطأ والنقصان، كما قمت أنا وزميلتي هالة الدواليبي وبعض الزميلات بتنفيذ مهرجان التراث وقد أجرت المقابلة معي مذيعة الإذاعة آنذاك كما أقمنا مهرجان الزرع والأشجار المنزلية والأعمال اليدوية الحرفية والأعمال الفنية والعديد من اللقاءات، كل ذلك كان في مدرستي المتوسطة الثامنة عشرة، وفي عام 1416هـ ترشحت للإشراف تاركة أجمل ذكرياتي لأستقبل مسؤوليات على نطاق أكبر وأوسع.
توجهت للإدارة في الإشراف التربوي بمحافظة جدة وقد اجتمعت مع رئيسة القسم أ. رويدة مناع حفظها الله وقدمت جميع متطلبات الإشراف وانطلقت بعد ذلك للتوجيه على المدارس التي أشرف عليها وبعد ذلك حصلت على العديد من الدورات فاقت إحدى وسبعين دورة، وحصلت على العديد من شهادات الشكر ورشحت بعض معلماتي للإشراف التربوي.
وفي مجال التدريب حصلت على:
1- دورة التطوير المهني لمعلمات العلوم الشرعية في المشروع الشامل من عام 1432إلى 1435
2- شهادة اجتياز دورة مدربين في طرق التدريب والتطوير
3- مهارات المدربين
4- طرق التدريب وتطوير مهارات المدربين
٥- شهادة مدرب معتمد
6- خبيرة علوم شرعية 1436/1437
ومن أعمالي ومؤلفاتي ومشاركاتي:
• ابتكار منظمات في فرعي الحديث والفقه لتساعد الطالب والمعلم على تنظيم وثبيت المعلومة بشكل دقيق وسريع في وقت أقل
• تصميم حقيبة فقه أصول الفقه للنظام الفصلي.
• اقتراح وإشراف ومشاركة في الوجيز في علم رواة الحديث.
• المشاركة في فقه العبادات للمرحلة الإبتدائية.
• المشاركة في ملزمة المعين في فقه المعاملات.
• تصميم الحديث للمرحلة الإبتدائية.
• تصميم حقيبة أوراق العمل.
• المشاركة في تصميم بطاقة الزيارة الصفية.
• تصميم حقيبة إدارة الاجتماعات.
• تصميم حقيبة العمل التطوعي في النظام الفصلي.
• المشاركة في حقيبة طرائق التدريس، ضمن مشروع حقائب الوزارة لنظام الفصلي
• تطبيق أداة ketso البحثية في المقررالدراسي المبادرات الابداعية للمشرف.
• تصميم حقيبة المهارات الحياتية بطريقة الكتسو ketso في العلوم الشرعية ضمن مشروع حقائب الوزارة لنظام الفصلي.
• الفقه في للنظام الفصلي ضمن مشروع حقائب الوزارة لنظام الفصلي.
• نقد كتب حصر للأحاديث الضعيفة في كتب الحدبث للمراحل الدراسية ورفعها للتطوير بالرياض 1423.
• نقد كتاب دليل مهارات تنمية التفكير الإبداعي.
• نقد كتاب دليل معلمة العلوم الشرعية مع معلمات مختارات ورفع الملحوظات 1429هـ
• شاركت بمجموعتي في تقديم ورقة عمل في رتب المعلمين رفعت للوزارة في دورة تمهين الإشراف 1426هـ.
لدي نوته أدون فيها جميع أفكاري ثم أبادر إلى التخطيط فالتنفيذ ومن ذلك: الدروس التطبيقية والورش والمشاريع والملتقيات والمؤلفات والتي سعيت لنقلها إلى الميدان واقعًا محسوسًا.
اغتنمت فترة إشرافي على المدارس وانتقيت من مدارسي أكفأ معلماتي علميًا وتربوًيا وتقنيًا وذوات مشاريع وفقًا للتصنيف التالي:
• مدارس رائدة في التدريب على تدريس طالباتها ببرنامج كيجن الشهير ومتابعتهن في التقويم على برنامج كلاسيرا، اصطحبت من معلماتي المتميزات وبعض ذوات الاحتياج، ونسقت مع رئيسة القسم في تقديم درس تطبيقي لأكثر من معلمة رافقتني مائدة العباسي ومعي بطاقة صممتها لتقييم الحصة.
• مدارس التحفيظ أسهمت في تدريب معلماتي في تدريس القرآن الكريم خصوصًا في استظهار الآيات حفظًا.
• مدارس في نقد المقررات الدراسية ومطابقة النسخ القديم بالجديد والرفع للقسم بالملحوظات المأخوذة على الكتب لتدارك الخطأ والرفع للتعديل.
مدارس تميزت باستخدام االتقنية والبحث عن كل جديد في الدروس فقد دربت بعضًا من معلماتي في تفعيل التقنية في الحصة وأيضًا من خلال ورشة (الترفيه بالتقنيات التربوية 1434هـ ) كالئي قدمته المعلمة فاطمة الصائغ (الماوسات المتعددة) وكانت قد قدمت السبورة التفاعلية وحضرت المشرفات وكذلك المعلمات .
• مدارس تبنت الدفاع عن حمى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقدمت برامج توعوية من خلال الإذاعة المدرسية وخصصت أركان في المدرسة وشاركت فيها المعلمات والطالبات مشاركة إيجابية، ولي مشاركات في هذا الجانب من قسم العلوم الشرعية من خلال الملتقيات السنوية وأسأل الله القبول.
• مدارس تميزت بطرائق التدريس المتنوعة ومهارات التفكير ومن ذلك، معلمتي فلة علوي وقدمت دروسًا تطبيقية.
• مدارس ساهمت بترجمة الكتب الدراسية وتبنت التكامل بين المقررات بمشاريع فأضحت المقررات واقعًا مشاهدًا على الحائط بعرض مقنن مبتكر، فقد تبنت معالجة فكر الطالب وحمايته قكريَا وتربويًا وعقديًا ويجدر الإشادة بمعلماتي حياة المطيري وعزيزة الحارثي وتهاني السهلي وحسناء العتيبي اللاتي كان لهن جهود واضحة تذكر فتشكر وكان لهن الأثر البالغ على الطالبات ونجاح المشاريع فقد قدمن الملتقيات التالية:
• 1ـ ملتقى (وما قدروا الله حق قدره) 1435هـ، يتناول أعمال الفكر ومعرفة قدرته وعظمنه والاستجابة لأوامره ولرسوله صلى الله عليه وسلم وما الواجب للسلم وماذا عليه واقتباس ذلك من مقررات العلوم الشرعية، وتمثل دوري في الاجتماع بالمعلمات لمناقشة الموضوعات وتزويد معلماتي بمراجع علمية موثوقة والتوجيه والإرشاد والمتابعة والتعديل والتصويب.
• 2ـ ملتقى ( يقظة فكر ) 1436هـ، وذلك بتجسيد الفكر من خلال المقررات وعرضها على الحائط وتقوم فكرته على نشر التوعية الفكرية وترسيخ الفكر الإسلامي المعتدل ويسعى لتوعية وتحصين الشباب من خطر الإرهاب الذي تنتهجه المملكة العربية السعودية في مفهوم الأمن الفكري، والتوجه لاستغلال العقل بما ينفع وتم استعراض أحدث التقنيات الربورت الالكتروني والنظارة والقلم الالكتروني واستضافة لمعلمات من مكة ومشاركتهن في ذلك وكان الحضور مميزًا وجهت أغلب مدارسي بزيارة الملتقى ومحاكتة نموذجًا مصغرًا ونقل الفكرة للطالبات والمعلمات، وتمثل دوري في الاجتماع بالمعلمات شاركت مع زميلتي مائدة العباسي بالتدقيق والمراجعة في المادة العلمية.
• 3ـ ملتقى (وطن ينهض وجيل يقود ) ( رب اجعل هذا بلدًا آمنًا )1437هـ.
ثم ارتأيت أن تنقل تلك بعض الدروس إلى مكتب الإشراف خصوصًا من خلال ورش قد حصلت بعضهن على جائزة التميز للمعلم من غير التخصص وتكريمًا لهن وتقديرًا لجهودهن والإفادة منهن وتوسعة لدائرة التدريب لنطاق أكبر انتهجت بمايسمى (ثنائية التدريب) معلمتين ومشرفتين من غير التخصص لنقل الجديد والمبتكر لمعلمات الدين وغيرهن وصممت بطاقة زيارة صفية كان ذلك 1437هـ.
وفي نهاية المطاف تقاعدت في يوم 1/3/ 1438 ولي من الخبرة إحدى وثلاثون عامًا قضيتها في التعليم لأتفرغ لأعمال تنتظرني وما أكثرها ، وأوجه بالشكر والتقدير لكل طالبة ومعلمة ومشرفة وأخ وأخت وقريبة لوالدي ولجدتي ، لكل من قدم لي توجيه أو فكرة أو نصيحة أو دعمني بالحضور والمشاعر والدعاء والنشر فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله، أسأل الله من فضله أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم ويجعله علمًا ينتفع به ويكون دليلي إلى جنات الفردوس الأعلى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
فوزية حسين علي شعراوي