رايح على فين ؟

يقول الله سبحانه وتعالى كتابه الكريم ، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) سورة البلد ، آية 4 ، وقد ورد في تفسيرها أنه يكابد أمراً من أمر الدنيا ، وأمراً من أمر الآخرة ، وكذلك يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة. وهذا لا يعني بأنه لا بد أن ينحاز إنحيازاً جارفاً إلى أمر دون آخر ، إنما ترك له الله سبحانه وتعالى الخيار ، وليس ذلك فحسب بل بين له طريق الخير من طريق الشر حيث قال تعالى في نفس السورة الآية العاشرة (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ). وعند النظر إلى حياتنا في الوقت الحالي نجد أن أغلب الناس درجوا على المكابدة الدنيوية بشدة وأضافوا إليها صفة الإستعجال في معظم الأمور، وعند التحدث إليهم في هذا الأمر تجد أن الكثير يعلل ذلك بأنه عصر السرعة وأن إيقاع العصر سريع ولا بد أن نجاري ذلك الإيقاع حتى نحقق ما نريد ، وبوقفه سريعة على خصائص الجسم البشري نجد أن كل ما في الجسم يسير على نظام معين ، فبدأً من إيقاع ضربات القلب إلى ذبذبات موجات الدماغ إلى حركتي التنفس شهيقاً وزفيراً ، وحتى حركة الأعضاء الداخلية للجسم كلها لها إيقاع موزون يميل إلى الهدوء والسكينة أكثر منه إلى السرعة والعجلة ، وهذا يدعونا إلى التأمل قليلاً فيما نُحمّل به أجسادنا من مجهود عضلي وفكري نرهق به أنفسنا جسداً وفكراً وروحاً مما يؤدي إلى زيادة الأعباء على جهازنا المناعي والتقليل من مقاومتنا للأمراض مع التعرض لبعض الأمراض لا سمح الله وكل ذلك لن يشعر به الإنسان إلا بعد فوات الأوان.

دعونا نتأمل إلى صلاتنا ، فإن الذهاب إلى الصلاة مندوباً عليه أن يكون بسكينة ووقار ، وكذلك الصلاة نفسها نجد أن الطمأنينة فيها شرطاً من شروط أداؤها  حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الركوع والسجود ما معناه أن يستقيم المصلي حتى يرجع كل مفصل إلى مكانه وهذا يدل على قمة الهدوء والسكينة ، وما دام أن الصلاة وهي أهم عمل للإنسان يجب أن ينعم فيها المصلي بالهدوء ، فإنه من باب أولى أن تؤخذ باقي أمور الحياة على هذا المنوال من الهدوء والطمأنينة بالحركة ولا يعني ذلك أن نركن إلى الكسل والخمول ، وإنما مع الهدوء نميل في نفس الوقت إلى العزم والشدة في الطلب والإنجاز بروح عالية ونفس مطمئنة.

ننظر إلى شوارعنا فنجد أغلب الناس يحبذ السرعة في كل شيء بدأً من قيادة السيارة إلى العصبية الزائدة في التعامل مع الآخرين وقد يصل الأمر إلى نقل كل ذلك إلى داخل البيت فيعيش أهل البيت في حالة من التوتر الدائم والذي يرخي ظلاله على العلاقة القائمة بين أطراف البيت الواحد وما ينتج عنها من مشكلات عدة بين الزوجين مما يؤثر على علاقتهما مع بعضها البعض وعلى تنشئة أبناؤهم لا سمح الله.

إن نظرنا إلى تعاملاتنا مع بعضنا البعض وأخذنا وقتاً رجعنا فيه إلى دواخلنا بحيث يتخيل كل واحد منا اللحظات التي يقضيها في الصلاة بدأ من صلاة الفجر وأستلهم والهدوء الذي ينزل عليه وقت أداؤها ، ثم أخذ هذه اللحظات من السكينة والهدوء وعاش بها بقية يومه وليلته متخذاً من كل صلاة شحنة هدوء إضافية فإنه بالتأكيد سيعيش حياة هانئة ملئها الراحة والسرور والصحة النفسية والجسدية الجيدة والتي سيعود أثرها على صحته العامة وزيادة التفاعل مع المجتمع بطريقة إيجابية ، وزيادة الإنتاجية في العمل وينعكس أثر ذلك كله على المستوى الأسري في التربية وتوجيه تلك الطاقة العالية – التي كانت مهدرة في العصبية – إلى السكينة والهدوء لإكتشاف مواهبنا ومواهب أبناؤنا وتوجيهها إلى المسار الصحيح بإذن الله لنفع أنفسنا ومجتمعاتنا.

مقالات سابقة للكاتب

6 تعليق على “رايح على فين ؟

عبدالعزيزالشيخ

كلام في غاية الروعة والتفكر السليم. للحياة السعيدة والماخوذ من القرآن الكريم والنهج النبوي . بارك الله فيك أخي ونفع بك.
ولك تحياتي

السحاب

رايح على فين بنا استاذ عبدالعزيز بمقالاتك الرائعة. حقيقة انت مكسب . وقلمك ينثر الورد ومن نوع فااااااخر

أبوسعود

نعم للأسف يوجد انفصام بين ما نمارسه في العبادات
وما نمارسه في المعاملات
كما قال أحدهم
ملائكة في المسجد وشياطين خارجه !

عبدالعزيز الصحفي

الأخ عبدالعزيز الشيخ
شكر الله لك مرورك العطر ، وبارك فيه ورعاك.

عبدالعزيز الصحفي

إلى السحاب
أسأل الله أن يجعلك سحاباً محملاً خيراً وبركة ، نحن نسعى لنتعلم من أنفسنا ومن الآخرين ، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير.

عبدالعزيز الصحفي

الأخ الكريم أبو سعود
أشكر لك مرورك المتكرر ومتابعتك الرائعة ، فجزاك الله خيراً.
قد لا يكون إنفصاماً ، وإنما غفلة تحصل منا جميعاً في بعض الأحيان ، فنسأل الله أن نعود إلى جادة الصواب دائماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *