لم تقف السعودية موقف المتفرج إزاء الأوضاع بالسودان منذ انفجار شعبها وانتفاضته على نظام الرئيس المعزول عمر البشير الذي أطاح به الشارع السوداني المحتقن على سوء الظروف الاقتصادية وغلاء المعيشة وشح رغيف الخبز.
وأطلّت الأزمة السودانية برأسها منذ أشهر، وتطورت لاحقًا لحمام دم ضحيته الشعب، فمع الحراك السوداني الذي ملأ شوارع الخرطوم وبعض المدن سارعت السعودية والإمارات بتقديم مساعدات إنسانية شملت القمح والمشتقات البترولية وعززت هذه الوقفة الإنسانية بتقديم مبلغ ٣ مليارات دولار لإنعاش الاقتصاد وتلبية مطالب الشعب وتخفيف حدة التوترات.
وجاء الموقف السعودي استجابةً للظروف العصيبة التي يمر بها الجار السوداني الشقيق الذي تربطه بالسعودية علاقات تاريخية على تعاقب حكوماته وأنظمته، فالسعودية تدرك أهمية استقرار السودان كبلد يصطفُ معها في كل نوازلها حتى سيّر السودان جحافل جيوشه ومعداته العسكرية وخاض الحرب الدائرة ضد جماعات التمرد الحوثي بصنعاء وهذا الموقف ثابت في سياسات السعودية الخارجية التي تسعى دومًا أن يسود الاستقرار كل الدول العربية ولا تنتظر أي تلميحات حتى تبادر فوساطاتها الدبلوماسية والسياسية الكثيرة فكّت الخناق بين القوى المتحاربة في أكثر من دولة.
وتعد هذه هي القوة الناعمة التي تستثمرها الرياض في كل مواقفها مستغلةً مكانتها وعمقها العربي والإسلامي فهي لا تكتفي بتقديم النقد الذي هو جزءٌ من أسباب غليان السودان بل تستخدم علاقتها لتقريب وجهات النظر والجلوس على طاولة المفاوضات ونزع فتيل الفرقاء.
ومنذ بداية الانتفاضة والمملكة تراقب المشهد السوداني ولا تتمنى أن يتطور للأسوأ حتى سال معه حمام الدم وسقط العشرات من الضحايا والجرحى، فكل هذا قد ينتهي – بعون الله- بالجهود السياسية واتحاد القوى المتحاربة فلا مستفيد من نبرة التصعيد الداخلي غير الجماعات المتطرفة أو من لا يريد للسودان السلم الاجتماعي والأمان الاقتصادي وقد يدخل البلد الذي يعاني من أساسه بسبب الفقر وتنهشه حاليًا الثورة الشعبية في نفقٍ مظلم لا يخرجون منه بثوبٍ نظيف بل سيتحول الشارع لبركٍ من الدماء البريئة وسيتراقص أعداء السودان على جثامين شعبه.
وجاء بيان المملكة العربية السعودية اليوم، ليؤكد الموقف السعودي الرامي للتهدئة في الدولة التي تربطها بهم العروبة والعلاقات الإسلامية والإنسانية وبين البلدين مواقف مرسوخة في ذاكرة التاريخ فمن سالت دماؤهم على أرض اليمن دفاعًا عن الشرعية ومساندة للرياض التي تقود العاصفة العسكرية لا يُرتضى له أن يُراق دمه.
وفي الجانب الآخر، تقف قوى الشر موقف المُحرّض وهي التي تستغل دائمًا البيئات المضطربة والمناخ السياسي المتوتر لنشر وبائيات الإرهاب فمن رحم الفوضى تتوالد وتتكاثر الجماعات المسلحة التي تتناغم مع هذه الظروف لتحقيق الأجندة المرسومة مسبقًا والهدف إفشال أي بوادر للتسوية بين الأطراف وتحكيم العقل، فمن هذه الاختناقات يستفيدون ويتغلغلون للوسط السوداني لمحاولات السيطرة وبسط النفوذ الجغرافي وأحيانًا الفكري بتقديم أنواع الدعم التي تصل للمال وشراء الجماعات، فالمتابع للبلدان التي طالها الدمار باتت اليوم مرتعًا وبيئةً خصبة للعنف والقتل فبين الخراب والتطرف تجانسُ ملموس.