ضع بصمتك بنفسك

نسمع في كل حين وآخر بأن فلان رحل، وأن فلانة غادرت الدنيا، ونودع ذاك إلى مثواه الأخير، ونحمل هذه إلى حياتها الآخرة، فالدنيا بسمائها الصافية، وأرضها الواسعة، قد ضمت الموتى تحت أرضها، كما جمعت الأحياء فوقها، لكن يبقى هناك أسئلة تطرح نفسها، ماذا قدمنا ..؟ وما الذي يشفع لنا يوم المحشر ..؟ وما الذي تركناه في هذه الدنيا ..؟

كم من أموات رحلوا وتركوا خلفهم آثارًا طيبة، وأحسنوا ذكراهم، وعبدوا الله حق عبادته، وكم من حي ليس له في هذه الحياة هدف، ولا أحد يعرفه .

هذه الحياة مليئة بالتعب والصخب، فعلينا زرع طيب الأثر، وحصد محبة الله ثم البشر، وجني ثمار الدنيا والآخرة، فالجميع راحل وإلى الله راجع .

أسعد الناس فالسعادة لا تكمن إلا إن جعلتها للآخرين، وافعل الخير ولا تنتظر جزاءً ولا شكوراً، فإن أخلصت فستجد جزاءك من الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا، فعندما مات أبو بكر الصديق قام عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، باستكمال رعاية العجوز الضريرة التي كان يرعاها أبو بكر الصديق، فقالت له: أمات صاحبك ..؟ قال: وما أدراكِ ..؟ قالت جئتني بالتمر ولَم تنزع منه النوى !، فالله أكبر ..! ما سبقهم أبو بكر بكثير صلاة أو كثير صيام، ولكن بشيء وقر قلبه، فرحل أبو بكر ورحلت معه هذه العادة، ولكن الأثر في نفس تلك الضريرة بقي ولَم يرحل .
فقط اجعل أعمالك خالصة لله فما كان لله سيبقى، وما عند الناس سيفنى .

الأثر الجميل يوقظ الفكر وينمي العقل، ويأخذ بِنَا لأعتاب الجنة، ولابد لنا أن نتعايش مع هذه الحياة بكل ما فيها وبكل لحظاتها، فظلام الحزن مهما أعتم فإن شمس الأمل ستشرق وتبدد ظلمته، فكل ما علينا هو عمل الخير، ونشر ابتسامة تدخل في قلوب الآخرين .
فجميل أن نبني أثراً في نفوس البعض، ولكن الأجمل أن نعمرها لتبقى خالدة مدى الحياة، فالبصمات التي تبقى بعد الرحيل كفيلة وشاهدة بأنك استحققت العيش في هذه الدنيا، فليسأل كل واحد منا نفسه، هل لنا أثر في نفوس الآخرين؟
كم من كلمة لم نلقي لها بالاً وأثرت في قلب أحدهم وغيرت حياته، وكم من معروف قدمناه أسعد أشخاص ونحن غافلون عنه، فترك الأثر لا يكلف شيئاً، ولا نخسر من جزاء فعلنا ذلك أي شيء .

كلنا سنرحل ونلقى مصير من قبلنا، ونغادر هذه الحياة الفانية، ونفارق الأحبة والصحاب، قال تعالى:( إنك ميت وإنهم ميتون ) وهذه حقيقة لا مجاز، وهو أمر معلوم عند جميع الخلق، فهذا رحيل مؤكد لا خلاف فيه، لكن هناك آثار تركوها فأحيتهم وهم أموات، قال صلى الله عليه وسلم:( يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله )، وقال تعالى:( إنَّا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ).

فكل عمل نعمله في هذه الدنيا هو الذي سنخرج به منها، فعلينا الإجتهاد والإكثار من الأعمال الصالحة التي هي سبب رحمة الله بِنَا، ونحن بأشد الحاجة إليها في تلك الحفرة الموحشة.

خُلقنا لنعبد الله وقد أودع الله فينا ما يعيننا على ذلك من روح وعقل وجسد، لنسعى ونجتهد في سبيل تحقيق المراد، وفِي يوم ما ستعود الأمانة لخالقها وتسأل عما فعلت !، فهل أعددنا أنفسنا لهذا اللقاء ؟ وهل تزودنا لتلك الآخرة بزاد ؟
ضع بصمتك ولا تذهب من الدنيا بخفي حنين، فيا من أسرف بكثرة الذنوب أما آن لك أن تتوب ؟ فالتوبة أجمل ما يترك بعد الرحيل، فكن كعابر سبيل؛ فما نحن إلا ضيوف في هذه الدنيا ندخل من باب ونخرج من الآخر .

نحن حقا نستطيع ترك أثر جميل، فنجاحك في هذه الدنيا، وآثارك التي زرعتها، يعني أنك تجاوزت متاعب الحياة، وقدمت شيئا لآخرتك، فقط ضع بصمتك، فالآثار هي من تتحدث عنك بعد رحيلك .

سامر أحمد المزي

بكالوريوس شريعة
كاتب ومشرف في فريق بادر التطوعي ومشرف اللجنة الإعلامية بجمعية الأحياء بمكة

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “ضع بصمتك بنفسك

عمار الجهماني

جميل جزاك الله خيرآ أستاذ سامر ونفع الله بك وبعلمك

حور

جزاك الله خير على ماخط به قلمك ..وجميل جدا لمن يعمل عمل الخير ويمضي ويرحل وتبقى الألسن تدعو له بالخير ..فكلنا راحلون..ونسأل الله حسن الختام وطيب الأثر..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *