الرسالة الثانية عشر
هذه المرة قررنا أن نتوجه إلى أحد المطاعم الهندية وهي كثيرة هنا ، حيث أن الأمريكان لديهم هواية تجربة أطعمة الثقافات الأخرى على حد قولهم .. وبما أننا قررنا أن نجعلها غدوة على الطريقة الهندية ، تواصل بحثنا على الإنترنت وكلما أتصلنا بمطعم يأتينا الرد بأنه مقفل من الساعة الثالثة حتى الخامسة ، ذلك دعانا إلى الإستغراب فأضطررنا لتغيير وجهتنا لأحد المطاعم العربية ، وإنما في منتصف الطريق أقترح علينا عصام أن نطبخ غداءنا بنفسنا .. فتوجهنا إلى أقرب مركز تسوق ، وبما أننا عزابية وفي غربة وخبراتنا في الطبخ متواضعة أشترينا أدوات أسهل طبخة ممكن التفكير فيها ، دجاج ، وبصل ، وطماطم ليكون الناتج “كبسة”، عند الوصول إلى بيت عصام تزعم تسلم قيادة الطبخة ، وأنا تزعمت تقطيع الدجاج والبصل والطماطم ، عند تقطيع البصل تذكرت أمي ودموعها التي كانت تسيل من تقطيع البصل وهي الآن تسيل كلما تكلمت معها ، كم هي رحيمة الأم حتى وإن لم تظهره فإننا نشعر به فجزاها الله عنا كل خير، المهم منصور تكفل بتغسيل المواعين بعد الأكل ، هنا توزعت الأدوار تلقائياً بيننا ، كل واحد عرف حدود معرفته وقدرته وتكفل بها ، ليتها تكون هكذا في الحياة العامة فنترك لأهل الإختصاص إختصاصهم ونهتم بما نحن قادرون عليه وتحت أيدينا ويمكننا عمل شيء حياله. الحياة سهلة جداً لمن يتقن التعامل معها ، قد يكون الإنسان أحياناً غير ماهر في أمر ما ، فمن الأولى له أن لا يتدخل في تسيير شؤون ذلك الآمر ويتركه لأهله ، فإن تعلم علمه وأتقنه عمله فهو في ذلك الوقت يكون من ذوي الإختصاص فيه. كل ذلك مر في خاطري فتذكرت كيف أصبح معظم الناس “فتاؤون” إن صح لي جمع “مُفتي” هكذا ، تجد موضوع في تويتر أو في الإنترنت فتجد من هب ودب يتحدث عنه حديث الخبير العالم ، وعندما تستقصي عن بعضهم تجد أن معلوماته كلها قص ، لزق ، فنسال الله السلامة … الغربة كل يوم تعلمني شيء جديد ، وكل يوم تجعلني أنظر إلى العالم من زاوية مختلفة عن التي قبلها.. كم وددت أنك معي فمثلك سوف يتعلم أكثر ويستفيد ويفيد أكثر.. المهم أنهيت دوري في الطبخة وأنهى كل واحد منهما دورة وأكلنا أكلة لذيذة ، ثقيلة على المعدة ، خفيفة على الجيب وزاد منها ما يكفي لعشاء الليلة ، عندما حسبنا الحسبة أتضح لها بأن ما صرفناه يوازي ما كنا سنصرفه لقاء غداء شخص واحد منا… هذا دعانا إلى أن نركز أكلنا في المنزل حالما ننتقل إلى مسكننا الجديد..
عصام أخبرنا أنه ينوي الزواج مباشرة بعد إكماله التيرم الأول في الجامعة ، وعندما سألناه لماذا أنت متعجل على أمر الزواج ، أخبرنا بأنه يريد أن يقضي سنوات الغربة مع زوجته ليفهم كل منهما الآخر بصورة أكبر ، وكذلك يريد لها أن تنال نصيباً من العلم مثله ، وكذلك في حالة أن رزقهم الله أبناء أثناء الدراسة سيصبح لديهم جنسيتين ، ولا يعلم هل هذا سيكون في صالحه وصالحهم أم لا ولكن حكاية الحصول على جنسيتين أعجبه .. طبعاً كما هي حال الكبسة لا بد أن يتبعها إسترخاء ، فتناول كل منا مخدة وتمدد حيث هو ودخلنا في نوم عميق أستمر لمدة ثلاث ساعات ، ولم نصحوا إلا بعد غروب الشمس ، كان اليوم هو السبت ، وكما يقول الشاعر : وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر، فكل واحد فينا تذكر من ورد على مخيلته من أهله وأحبابه وبدأنا في حالة رواية القصص عن كل من تذكرناهم ، يوم السبت عادة فيه نوع من الملل لا يدري الشخص هل يرتاح فيه أم يخرج للنزهة .. لم يكن في مخيلتنا أي برنامج لأمسية يوم السبت ، فتذكرت أهلي وقريتي وأصحابي وأحبابي فدعوت الله أن يجمعني بهم ، ثم جال بخاطري الناس الذي أضطرتهم ظروفهم لهجر أوطانهم جرياً وراء لقمة العيش فشاقني الحنين إلى كل شيء مر بي في قريتي ، فأقترحت على منصور وعصام أن نذهب لزيارة أبو عبدالله ، ذلك الرجل الذي أخبرتك عنه في رسائلي السابقة فقد أشتقت لحديثه الذي يُسلي الروح ، رحبا بالفكرة ، ولكن لم نشأ أن نجعلها زيارة عادية ، فقررنا أن نأخذ معنا هدية متواضعة لأبو عبدالله ، فتجهزنا ومررنا على أحد المحلات التجارية وأشترينا هدية متواضعة لأبو عبدالله ، وهي عبارة عن علبة شوكولاته مع بطاقة مشتروات ، وهذا نظام متبع هنا حيث إن لم تعرف ماذا تشتري لمن تريد أن تُهدي له ، فإنه يمكنك أن تشتري له ما يسمونه “قيفت كارد” ( Gift Card) ، وهي بطاقة بها مبلغ من المال تُمكن حاملها من شراء ما يريد من أماكن محددة في البطاقة .. وصلنا إلى منزل أبو عبدالله وكالعادة أتصلنا به من عند البوابة الخارجية ففتح لنا ، وعند وصولنا إلى باب بيته وجدناه واقفاً على الباب في إنتظارنا .. رحب بنا أبو عبدالله ترحيباً شرح صدورنا ثم دخلنا ، وكانت المفاجأة بأنني وجدت أمامي … إلى اللقاء في رسالة لاحقة.
للإطلاع علي الحلقات السابقة : اضغط هنا