بعد التصريح المثير والجريء لرئيس المجلس البلدي السابق ، أصبح من الواضح عند جميع أبناء المحافظة أن أغلب مجالسنا تشبه حصالات النقود التي يكون ظاهرها متماسكا ، وما بداخلها مجموعة من الريالات المتفرقة بغض النظر عن كميتها وعن اختلاف قيمة كل ورقة فيها ، وأعتقد أن السبب يعود في ذلك لدوافع اختيار المرشح التي غالباً ما يحركها إما الإنتماء للمنطقة الجغرافية أو الإحتماء بالعصبية القبلية ، ولو أن الكفاءة العلمية مع السمات الشخصية كانت هي المعيار الحقيقي لاختيار المرشح لما هزلت مجالسنا حتى بان من هزلها حشاها .
فإذا كان ذلك هو حال المجالس البلدية فلماذا نستغرب إذا قيل لنا أن رئيس البلدية هو الذي يتحكم في جلساتها وهو من يدير شؤونها؟! فليس هناك أشد خطراً على المجالس من (الجاهل المخلص ) .
لذلك عندما يتدخل رئيس البلدية في سير أعمالها فهو إما أنه يريد أن ينقذها ويصلح من شأنها أو أنه يريد أن ينحى بها إلى الإتجاه الآخر ، طالما أنه يوجد سحره يوهمون الناس لكي يصدقوه وقومٌ خفاف يطيعونه ليطغى ، فكان لا بد من وجود المؤمن الذي يكافح وآسيا التي تقاوم لكي يغرق الطغاة والمتكبرون.
أما التفاعل الذي جرى حول التصريح ما بين مؤيد ومعارض له بين بعض أبناء المحافظة ، كان ذلك هو الأمر الطبيعي الذي يجب أن يكون ، فطالما كان الحوار محافظاً على آدابه فيجب علينا أن نقبل به في جميع الأحوال هذا إذا كنا حقيقة نريد التغيير ونأملُ في التطوير.
أما الأمر الذي من غير الطبيعي أن يحدث هو ما نلاحظه من صمت الكثيرين في مختلف الأحياء والمراكز التي تتبع المحافظة ، فالعجيب عندما نجد أن أغلب الناس قد انعزلوا عن التفاعل مع أحداث المجتمع الذي يعيشون بداخله ، وكأنهم لم يسمعوا بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: (المؤمنُ الَّذي يخالطُ النَّاسَ ويصبرُ على أذاهم أعظمُ أجرًا منَ المؤمنِ الَّذي لاَ يخالطُ النَّاسَ ولاَ يصبرُ على أذاهم).!!
والأكثر عجباً هو صمت أصحاب الوجاهة الإجتماعية الذين دائماً ما نلاحظهم يتصدرون المجالس لحل الكثير من المشكلات بمختلف أنواعها و التي تمر على المحافظة بأكملها ، ولا أدري إن كانوا بصمتهم هذا يرون أن الحدث أكبر منهم ولا بد له من تدخل خارجي! ، أم أنهم يرون أنفسهم أكبر من الحدث فيعتبرون الحراك الجاري ما هو إلا حماس الشباب المتوهج والذي سرعان ما ينطفئ إذا تم التغافل عنه !!
ألم يدركوا هؤلاء الصامتون أنه بصمتهم قد أصبح الكثير من المطبلين أكثر جرأة على حماية الباطل والتصفيق له ، حتى وصل بنا الحال أن من يناصح المخطئين أو ينكر على المفسدين صار غريباً في وطنه.
إن ما أخشاه أيها السادة أن يأتي يوم يصبح فيه الناس جميعهم يطبلون ويزمرون ، وحينها لا نجد أثراً لواقع الناس في الزمن الماضي حين قال شاعرهم:
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولةٍ … ففي الناس بوقاتٌ لها وطبولُ .
مقالات سابقة للكاتب