بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الشاعر اللبناني الكبير إيليا أبو ماضي :-
أقول لكل نواحٍ رويداً
فإن الحزن لا يغني ويضني.
فمن هذا المنطلق ومن هذه الحكمة نقول إن الدنيا دار ابتلاء وامتحان واختبار وتمحيص فيها الفرح واليسار والغنى وهو بلا شك امتحان ليرى ربنا الخالق كيف نكون في حال فرحنا وغنانا كيف يتعامل من هذه صفته مع من هو أقل شأناً منه وهل يعطي ما فرض عليه لمن هم دونه ليس مادياً فحسب بل معنوياً وحسيا…
وأيضا الحزن والترح والعسر أيضاً هذه الأمور هي امتحان وتمحيص واختبار بلا ريب ليُعلم كيف يكون من هذه حاله هل يرضى ويسلم الأمر لصاحب الأمر جل جلاله وتقدست أسمائه وصفاته ويدرك تماما أن الله قسم الأرزاق بعدل لا نظير له لأنه الحكم العدل أم يتسخط ويلعن حظه كما نرى ونسمع للأسف من بعض المتضجرين اليائسين البائسين ولسان حالهم يقول :-
إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
صعب الأمر عليهم ثم قالوا
إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه.
وهذا الكلام غاية في السوء والاعتراض على أقدار الله سبحانه وتعالي ولو كشف لإبن آدم الغيب ورأى كم من الخير قد أوتي بما قسم الله له لاختار الواقع ولخر ساجداً معتذراً مضمخاً ثرى الأرض بدموعه مستغفراً عن جهله وتسرعه في الحكم على نفسه ورزقه المقسوم له والإنسان بطبعه عجول جزوع يتعجل الأمر حتى ترديه العجلة ولو علم هذا المخلوق المتسخط أن الله قد اختار له ما يصلحه لما أبدى مظاهر السخط والغضب ومن جهل الناس ظنهم أن الرزق يكمن في المال فقط والمتاع المادي الزائل إن أصابت الانسان ضائقة في ماله بكى بكاء الثكلى يندب حظه لم يلتفت وينتبه إلى أنه يرفل في نعم لو علمه أصحاب اليسار لجالدوه عليه بالسيوف كي يسلبوه إياه لو تفكر هذا العجول بشئ من العقل لعلم أنه إذا وضع رأسه على وسادته ونام نومة يتمنى البعض أن لو ينالوا عشرها ويعتبرون أنفسهم سعداء لو ظفروا بها لما أبدى ما أبدى، أيها الإنسان العجول إن من أعظم نعم الله عليك أسششنك خالٍ من مطالبة الناس إياك بحق من حقوقهم عليك كالدين الذي وصفه الصادق المصدوق ﷺ بأنه ( هم بالليل وذل بالنهار) لما حزن هذا الحزن كله إذاً انت في نعمة، وحينما تستيقظ فجرا وقد حركت اعضائك ولم تتجمد الدماء في العروق فأنت في نعمه، وحينما ترى أبنائك وأهلك أمامك وحولك قد عافاهم الله من كل سوء ومكروه والابتسامة ترتسم على محياهم فأنت في نعمة، وما سوى ذلك فامور ثانوية ولو بقيت اعدد لك أيها الإنسان المتسخط ما ترفل فيه من نعم لسودت مئات الصفحات ولن اصل الى نهاية نعم الله عليك إذاً لما الحزن والضجر واليأس يقول الشاعر ابن زريق البغدادي :
قد قسم الله بين الخلق رزقهمُ
لم يخلق الله من خلق يضيعه
لكنهم كلفوا حرصا فلست ترى
مسترزقاً وسوى الغايات تقنعه
والحرص في الرزق والأرزاق قد قسمت بغى الا ان بغى المرء يصرعه
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا
شكر عليه فعنه الله ينزعه.
فيا أخي الإنسان لا تحزن على شيء فاتك ، فقد يكون ما فاتك لو أتاك دمر حياتك وجعلك تعيش في تعاسة دائمة حتى لتضيق عليك الأرض بما رحبت فإن خيرة الأمر فيما اختاره الله لك فليس بعد اختيار علام الغيوب اختيار فسلم بالأمر تكن من السعداء ولا تحزن كثيراً لأن الحزن لا يغني بل يضني ويتعب ومن ثم يهلك فانتبه ألا يلعب الشيطان بك فيرديك فهو زعيم المتضجرين اليائسين واعلم أخي المبارك إنك لم تخلق للخلود بل للانتقال من دار كلها أحزان وأتراح إلى دار كلها نعيم مقيم للصابرين المخلصين لربهم والواثقين بخالقهم، إن الحزن لا يجدي ولا يحل معضلة فاترك حزنك وقم بادر إلى ربك الكريم وثق به أنه لايمكن أن يكون قد خلقك ليهملك أبداً هذا تفكير ظالم ، فالذي رزق الطير في جو السماء والحيتان في أعماق البحار والوحش في الفلوات بل والدودة في وسط صخرة صماء لايمكن أنه خلقك لينساك سبحانه، فانتبه.
إبراهيم يحيى ابوليلى
مقالات سابقة للكاتب