يقول الله تعالى :- ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) ..
نعم إن هذه الأزمة التي نمر بها الآن بل تمر بها الإنسانية جمعاء بسبب هذ الوباء والفيروس المستجد المسمى ( كوفيد ١٩) هو اختبار وتمحيص لإيماننا وعقيدتنا ومبادئنا وقيمنا وولائنا لديننا وإنسانيتنا ووطننا ، فهل نجحنا في هذا الاختبار أم أننا سقطنا سقوطا مدويا بلغ إلى الملأ الأعلى..
نحن رأينا ما قامت وتقوم به حكومتنا التي لا تألو جهدا في بذل كل ما يريح من يعيش على هذه الأرض المباركة ولا ينكر ذلك إلا من يزعم أنه سيغطي الشمس بغربال لشيء ما في نفسه ولا يضيرها ذلك فلتمضي قدماً في الارتقاء الذي اختاره الله لها فهناك مكانها ومكانتها، ونرى أيضاً التعاون المنقطع النظير من الشعب الذي أظهر وعياً ورقياً لا يُنكر، وأيضا نرى هبة العالم أجمع لاحتواء هذا الوباء الذي لم تسلم منه دولة وحقيقة لم أرى تكاتفا منذ أن وعيت مثل هذا التكاتف والتعاون الكوني بين كل من يعيش على ظهر هذه البسيطة وكأن الأرض تحولت إلى سفينة كسفينة نوح عليه السلام ، كل إنسان يعتبر من ركابها سفينة تمخر عباب أزمة عصفت بها من كل جانب فإن غرقت لا سمح الله غرقت البشرية وإن نجت نجى الناس أجمعون …
ولكن وآهٍ من لكن وما بعدها هناك أناس ملأ الجشع قلوبهم من تجار وأصحاب محلات وصيدليات وأنا هنا لا أعمم أبدا ، فالكثير منهم إن شاء الله فيه الخير والصلاح والتعاون ويستشعر ما بالناس من خوف وهلع بل إن حديثي عن البعض وهم الشواذ قد استغلوا هذه الأزمة فأخذوا يملؤون جيوبهم النهمة واستغلوا حاجات الناس فأخذوا يزيدون في سعر المواد وكأنهم في مأمن مما أصاب غيرهم ، ولكن حين تعمى البصائر يأتي الإنسان هلاكه من مأمنه ومكمنه (والجاهل عدو نفسه) ، ولقد تفكرت في هذا الأمر وقلبته ظهراً لبطن فظهرت أمامي علامات استفهام كبيرة جدا وخلفها ألف علامة تعجب..
أي إنسان في قلبه ذرة من إيمان أو يقين أو ولاء لدينه ولوطنه وللانسانية كونه واحدا منها تحدثه نفسه أن يستغل الأزمات التي كان من الواجب أن تتكاتف الأمة بأجمعها وتتعاون على اجتيازها ..
أي إنسان في قلبة ذرة من ضمير يقوم بهذا العمل القذر الذي ينم عن عدم إيمان ووفاء لمن آمنوه وأعطوه الثقة فأخذ في خيانة الأمانة بكل صلف وظلم وتجبر ووضع مصالحه الآنية المادية فوق ولاآته ، وتساءلت ما الذي يجنيه من هذا سوى بضع دريهمات ..
إن الجشع والطمع وتقديم المصلحة قد أعمت بصائرهم وأبصارهم فاخذوا في استغلال الموقف وهم يضحكون ملئ أفواههم ويفركون أيديهم الآثمة وهم يظنون أنهم ظفروا ولم يدر بخلدهم أنهم سيبكون أكثر مما ضحكوا وأن هذه الأرباح ستكون وبالاً عليهم في الدنيا قبل الآخرة..
أن الدولة وولاة الأمر فيها يبذلون الجهد العظيم لاحتواء هذه الجائحة وسد كل ثغرة يرون أنها ستؤدي إلى تفشي هذا الوباء ، وهؤلاء الجشعون يخرقون في سفينة الأمة الآمنة كفئران السفينة الماخرة في عباب البحر لتصل إلى بر الأمان وهم لجشعهم و طمعهم يريدونها أن تغرق ونسوا أنهم من ركابها ولكن الجشع يعمي فعلى الأمة أن تقف لهؤلاء بالمرصاد إلى أن تنتهي هذه الأزمة فيلقون حسابهم ، وبإذن الله ستنتهي هذه الأزمة وتقوم الإنسانية جمعاء لتبني وتعمر وستكون أكثر وعياً وإدراكاً للأمور وتنتهي كل صور الكره والبغضاء التي عمل المرجفون على إشعالها والذين يدقون إسفين الخلاف في العالم..
أنا كلي ثقة أن هذه الأزمة سيأتي من بعدها خير عميم بإذن الله لكل الناس ، فقط علينا أن نُري ربنا منا الصدق وحسن النوايا ففي كثير من الأحيان تكون المحن في داخلها منح ولكن لجهلنا عما يخبئه الغيب والأقدار نظن أنها الهلاك ، والله الرحيم لايمكن أن يعمنا بهلاك إن عدنا بصدق ويقين ، وصدق الله العظيم حيث يقول (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) ، فلنعد إلى خالقنا عودة جادة ولنعش على هذه الكرة الأرضية كما أرادنا الله لها خلفاء نعمرها بالحق وفي الحق وللحق ..
والأزمات تبين لنا العدو من الصديق ، فلنكن أكثر وعياً وقد صدق الإمام الشافعي عندما قال:
جزى الله الشدائد كل خير
وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها حمداً ولكن
عرفت بها عدوي من صديقي.
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب