فيروس كورونا يهذب سلوك العالم

استخلف الله الإنسان في الأرض وأمره ببناء علاقات جيدة مع أخيه الإنسان بالمحافظة على الضروريات الخمس الدِّينِ، والنَّفسِ، والمالِ، والعِرضِ، والعقلِ ، ولكنّ الإنسان طغى وتجبر وأبى واستكبر وسعى في الأرض فساداً مُهلكاً الحرث والنسل وظنَّ بأن لن يقدر عليه أحد قال تعالى : ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” الروم:41.

ابتعد الإنسان عن شرع الله القويم وقوانينه التي جاءت من لدن حكيمٍ خبير عالم بالنفس البشرية ومتطلباتها ومايُِصلح حالها وما يُفسده قال تعالى: ” أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ” المُلْك:14 واتبع الهوى والشهوات والقوانين الوضعية التي هي من نتاج الفكر الإنساني القاصر فظهر الفساد بصوره وأشكاله المتعددة،فلّما زاد طغيان الإنسان وإفساده في الأرض أرسل الله إليه الآيات تخويفاً لعله يرجع إلى الله ويتبع أوامره ويجتنب نواهيه فكانت آيات الله العظيمة في الكون كالكسوف والخسوف قال تعالى: ” وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ” الإسراء:59

لكن الإنسان بطبعه ظلوم كفّار فلمّا لم يلتفت إلى الحكمة الحقيقية من حدوث تلك الآيات وعزاها إلى السنن الكونية الطبيعية واستمرأ الإفساد في الأرض دون أي نظر وتفكر واعتبار كان لا بد من إرسال جند الله إلى الأرض وذلك لتهذيب السلوك الإنساني وتقويم اعوجاجه فكانت الزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات والجراد والأمراض والأوبئةو ….و…. و…… قال تعالى: ” وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ”المدثر:31.

ولأن الله سبحانه وتعالى لا يخلق شرّاً محضاً فقد سلط الله جندياً من جنوده (فيروس كورونا) على البشر وذلك لحكمٍ إلهية كثيرة منها:

– إظهار قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته عزّ وجلّ في تصريفه لهذا الكون وتدبير شؤونه .
– التأكيد على أن الإنسان مهما بلغ علمه ومهما بلغت قدرته فهو ضعيف جداً أمام علم الله سبحانه وتعالى وقدرته وعظمته ويظهر ذلك في عجزه وقلة حيلته عن مواجهة هذا (الفيروس) المتناهي في الصغر والذي لايُرى بالعين المجردة .
– التأكيد بأن اتباع المنهج الرباني القويم فيه خير ومصلحة البشر وأن بُعدهم عنه لن يضر الله شيئاً وهو العليم الحكيم في تقديره لما يُصلح أحوال خلقه قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكيماً ” النساء:170
– إعادة بناء العلاقات الإنسانية بين المجتمعات البشرية ولقد رأينا كيف هبت الأمم لمساعدة بعضها البعض لمواجهة وباء (فيروس كورونا) والتخفيف من آثاره السلبية صحياً واجتماعياً واقتصادياً رغم مابين تلك الأمم من اختلافات عقدية جوهرية وتباين في المصالح السياسية والاقتصادية .
– دفع الإنسان إلى اللجوء إلى الله عزّ وجل والرجوع والإنابة إليه سبحانه وتعالى والتضرع إليه والخروج من حول الإنسان إلى حول الله وقوته فهو وحده القادر على كشف هذا الوباء ورفعه عن البشرية جمعاء قال تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” الأنعام: 43,42 .
– إشعار الإنسان بأن الطهارة التي أمر بها الشارع الحكيم شأنها عظيم وأن ممارسة النظافة في جميع شؤونه على قدرٍ كبير من الأهمية.
– تبصير الإنسان بأهمية اتخاذ الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية الصحيحة لما فيه المحافظة على أمن المجتمعات البشرية وصحتها وسلامتها.
– حث المجتمعات البشرية على ضرورة الأخذ بالأسباب التي تمكنها من مواجهة ومكافحة الأخطار المحدقة بها وتجاوزها بكل اقتدار وهي القوة الاقتصادية والتعليم النوعي والمنظومة الصحية المتكاملة والبنى التحتية التقنية وغيرها.
– تعليم الإنسان تقدير نعم الله الكثيرة عليه وأهمها ( الصحة ، العلم ، الأمن ، المال، الحرية ).
نعم لقد جاء (فيروس كورونا) لتعليم العالم ولتهذيب سلوك المجتمعات البشرية وتقويمه وأتمنى أن تكون البشرية قد استوعبت الدرس جيداً وأن تستثمر هذه المحنة وتحيلها إلى منحة يعم نفعها الجميع، فهل سيتغير الحال إلى الأفضل أم سيعود العالم كما كان بعد أن يتمكن الإنسان بتوفيق الله ثم بما آتاه الله من علمٍ وأسباب مادية من دحر هذا الوباء والانتصار عليه!!!!!

أحمد الرباعي

مقالات سابقة للكاتب

3 تعليق على “فيروس كورونا يهذب سلوك العالم

حسين بن زيد الغامدي

بوركت ي أستاذ احمد الرباعي
رائع وممتع كل ما كتبته اناملك..
قرأت هذه الأسطر لاجد فيها
ان اللجوء الى هو خير واقي من امراض
العصر…سلمت ودمت..

Dreams

‏من أجمل ما قرأت.. سلمت يمناك التي سطرت فأبدعت🌸

نفاع بن مهنا بن ماضي الصحفي

ما شاء الله
مقال مثالي و فائق الإعداد و الإحاطة و يستحق أن يتخذ نموذجا راقيا لكل كاتب يحترم وعي و عقل القراء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *