الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ: أنكِ تعيشين وحدكِ في دولة بعيدة عن زوجكِ، وعمر مشكلتكِ ست سنوات، وابنكِ يبلغ عمره ثلاث سنوات؛ ما يعني أن المشكلة قبل المولود، وتطالبين زوجك بالنفقة وإعطاء حقوقكِ.
هناك عدة استفسارات لم تُبيَّن في طرح المشكلة:
١- لماذا تعيشين في هذه الدولة بعيدًا عن زوجكِ؟ ولماذا يغيب زوجكِ فترة ٣ سنوات عنكِ، وتحملكِ وصبركِ طيلة هذه الفترة؟ فلا سبب واضحٌ لذلك كله.
٢- تقولين إنكِ ربة منزل، ومن ثم تبيِّنين أنكِ تعملين ساعات طويلة لرعاية ابنكِ والنفقة عليه، وعلى هذا؛ فإنني أوصيك بالآتي:
١- ذكِّري زوجكِ بأن عقد الزواج ميثاق وعهد بين الزوجين؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، وبيِّني له حقوقكِ التي تكفَّل بها الشرع؛ فمن حق الزوجة على زوجها النفقة عليها، وهذا الحق دلَّ عليه دليلُ الكتاب والسنة والإجماع.
أولًا: من الكتاب العزيز:
من أدلة وجوب نفقة المرأة على زوجها قوله تعالى في كتابه: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]؛ فينفق إذا كان غنيًّا مما آتاه الله على قدر غِناه، وإذا كان فقيرًا فلينفق أيضًا مما آتاه الله على قدر فقره؛ يقول العلماء أن في هذه الآية الكريمة أمرين:
الأمر الأول: وجوب النفقة في قوله: ﴿ لِيُنْفِقْ ﴾، فالنفقة واجبة.
والأمر الثاني: أنها تتقيد بحال الرجل، إن كان غنيًّا ينفق نفقة الغني، فـ﴿ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ﴾: أي: ذو الغِنى من غِناه، وذو الفقر من فقره؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ﴾ [الطلاق: 7]؛ فهذه ثلاثة أمور:
1- وجوب النفقة.
2- على الغني على قدر غناه.
3- وعلى الفقير على قدر ما آتاه الله.
ومن أدلة وجوب نفقة الزوجة على زوجها قوله سبحانه: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]؛ ففي هذه الآية دليل على أن للرجل فضلًا على المرأة بالقيام بنفقتها.
ثانيًا: من السنة:
من أدلة وجوب نفقة الزوجة على زوجها ما ثبت في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالنفقة والحث عليها، ووصية الأزواج بالقيام بها على وجهها، حتى أباح للمرأة أن تأخُذ من مال الزوج إذا امتنع عن الإنفاق عليها؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ، إلا ما أخذتُ من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جناح (يعني: إثم)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيكِ ويكفي بنيكِ))؛ [رواه مسلم].
وعلى هذا لما قال لها: ((خذي من ماله))، دلَّ على أن المرأة لها في مال الرجل حقٌ من أجل النفقة.
ثالثًا: إجماع العلماء:
أجمع العلماء رحمة الله عليهم على أن الزوج يجب عليه أن ينفق على زوجته بالمعروف؛ قال بعض أهل العلم: “إنما وجبت النفقة على الرجال؛ لأن المرأة محبوسة في البيت، عاطلة عن العمل، والأصل في المرأة أن تقوم على بيتها وأن ترعى بيتها.
ولو كانت المرأة تعمل، فليس للزوج أن يتخلى عن النفقة عليها؛ لأن راتبها ملك لها وحدها، ولو كانت تملك ما تملِك، لكن من حسن العشرة أن تساعد زوجها في شؤون بيتها، لا سيما إذا كانت حاله في شيء من العسر، فمن المعروف أن تساعده وتقف إلى جانبه؛ كرمًا منها وليس واجبًا عليها، بل النفقة واجبة من قِبَلِ الزوج على زوجته.
٢- عليكِ أن تتواصلي مع أهل الزوج وأقاربه؛ للمساعدة في نصحه، وبيان خطر هجره وعدم تحمل المسؤولية؛ لعلكِ تجدين مَن يؤثر عليه، ويعود لرشده واهتمامه بأهله.
٣- حاولي أن تقنعي زوجكِ بالعيش معه في البلد الموجود فيه، وأن تعيشي معه وتقنعوا بما يرزقكم الله؛ من أجل لَمِّ شملِ الأسرة، وأنك تحبينه ولا تستطيعين العيش دونه بأسلوب يرقق القلب، ويحرك المشاعر للاشتياق لكِ.
٤- إذا لم تنفع كل المحاولات السابقة بعودته وتحمُّل مسؤولية النفقة وإدارة المنزل، فيمكن التفكير – بعد استفاد المحاولات – في الانفصال، والله يرزقكِ من فضله؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ﴾ [النساء: 130]، وهذا الحل الأخير.
أسأل الله أن يهديَ زوجكِ ويجمع شملكم ويرزقكم السعادة والأمان.