عندما يكون البلاء ميزان

يُخفض ويُعلي يُدني ويُقصي يبقيِ ويُنهي يحزن ويسعد يظهر ويكشف إن البلاء حقا ميزان

وقال أيضا في كتابه العزيز((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)) سورة الأنبياء اية 35

فلو عُرف البلاء/ هو المصاعب والمصائب والغم والحزن

قال: ((وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا)) الانفال اية 17

إن المصاب لاشك زائل ومنجلي ولربما كان او سيكون في فحواه رسالة مضمونها استيقظو في مكان وهلاك وعدم في مكان اخر فهناك فرق بين جوع وشبع وبين عطش وارتواء وصحة وسقم وحزن وسعادة وظلال واستقامة وخوف وشجاعة فالفاصل بينهم(الأمتلاء) بالهيبة الربانية والتجليات الرحمانية.

قال تعالى في سورة البقرة 155 (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)

إن البلاء جليا في مضمونه عميق في فحواه فيه دعوة صادقة لصفات كانت في رعيلنا الأول عندما كان الصمت عندهم مكالمة والهدوء مسامرة والسكينة مؤانسة والوحدة معية والانفراد صحبة والخلوة نجوى.  

نقاءً اصفى من الزلال حُبا مع الواجب وتواصلا مع الماجد, فيها لا يضجر ولا يستوحش ولا يطفى ولا يزل.. ومن هنا يقاس حجم البلاء.

قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن عِظم الجزاء مع عِظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)) رواه الترمذي

لا يرفع الله قضاء حتى يرضى به عبده, فالذين يعيشون في البلاء طويلاً , هم السبب في طوله فالسخط اعتراضا على قدر الله وتعديا على مشيئته (من رضي بقدري اعطيته على قدري).

إن الايمان بقضاء الله تعالى خيرا كان او شرا هوا احد اركان الايمان واسسه  فالله عندما يجرى على العبد قضاءه من مرض أو فقر او افة او وباء هذا لا يعني انه ساخط عليه , بل قد يكوم لتكفير ومحوا الذنوب التي لا ينفك عنها غالبا

قال تعالى ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )) الشورى30

فلو عدنا للوراء قليلا لوجدنا كيف أن للحرية ثمنا عظيما لا يقدر بكنوز الدنيا لان السعي في مناكب الله نعمة جمه وفضل سابع مبارك على خلقه لان ماكنت تملكه فقد لبرهة فجال بك ماكنت عليه نعماً ببلاء ماصرت فيه فأحسست بما كان من جزيل عطائه , وفائض نعمائه قد رمت عنها, وقس ذلك حياتك التي إما إن تكون في بركة الله ورحمته أم في سطوة النفس ونزواتها وزيغ الشيطان ووسوسته والمحنة قد تكون منحه لامور لم تكن في تلابيبك فهي في ظاهرها شرُ ولكن في باطنها عظيم لم يكن يخيل اليك أن تجد مع الله هذه الفسحة للتضرع بين يديه ومراجعة الذات ومحاسبتها وقد تكون لي اخر محنه وبلاء لا منحه

قال الله تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)) اية 5 سورة فاطر

وهناك قول شهير يقوله عامة الخطباء حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا زنو اعمالكم قبل ان توزن عليكم واعلموا ان ملك الموت قد تخطانا الى غيرنا وسيتخطى غيرنا الينا فلنتخذ حذرنا فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني.

وقال الله تعالى((وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)) اية 55 الزمر

إن الوقت في الحياة عظيم فهو الحياة وهوا اثمن ما يكون وقد يتسأل القارئ برهة ما دخل هذا بتلك إن الامر واضح وجلي في نصيحه نبي الأمه محمد صلى الله عليه وسلم ((اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك, وعناك قبل فقرك))

وقال الشاعر

 دقات قلب المرء قائلة له             إن الحياة دقائق وثواني

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها      فالذكر للإنسان عمر ثاني

(أنها الحجة التي يتدرع بها كثير منا وهي الوقت )

فكيف الان وفي ظل هذا البلاء الذي اجتاح العالم بأسره قد اقعد كل البشر مسلما وكافراً بكل طبقاتهم , رغم عنهم ما خجلانا من تلك الاكذوبة اما استرعتنا نظرة الغرابة من اعين ابناءنا واهلينا , اننا معهم اما جال ثناء في خواطرهم يقولون فيها شكرا كورونا انك جعلتي من احب معي , او ربما تكون الفكرة في رؤوسهم اعظم وانكى من ذلك وهي تمني هذا البلاء ان يستمر ويطول حتى يبقوا من كانو بحنانهم مقصرين وبقربهم بعيدين.

فالقلب يشبه في وظيفته بالمصباح يضيء مادام مغلقاً , فإذا انكسر دخله الهواء وافسده فكذلك الفؤاد اذا تعلق بغير الله وانفتح على المعاصي والأثام واللهو احتوته الهموم والاحزان والبعد, ولذا كان من طرق علاجه ان لا يعيش في فراغ مطلق فكان العمل عبادة له ومقوماً ومهذباً لحياته ووقته .

فمن كان يصدق ان من يهرب اليه من الدول الأوربية اصبح يهربون الى تلك الدول الفقيرة ومن يصدق ان تغلق المساجد ويعطلو ركن من اركان الإسلام , بينما يرفع الاذان في بلاد منع فيها الجهر به.

ومن كان يصدق ان أطباء العالم تعودو الى ما كل هوا طبيعي العجز لايجاد علاج.

فإدراك ذلك طريقُ قويم للحاق ما فات واصلاح ما يكون اذا لولا تجلي القدير على مخلوقاته لما كان هناك شيء ليستحق الحب في الدنيا على الاطلاق , لاو جه ولا صوت ولا صورة ولا مذاق ولا سلوك ولا فعل ولا كلمة فالله هو نور السماوات والأرض هو النور الذي نراه في الوجوه ونور الضمائر والبصائر فهو الجمال الذي يسبي , كل طلعه وهوا البهاء الذي يخطف القلوب وهو المحبوب في كل ما نحب والرضي في كل مانرضى والمخلص من كل نقمة والمزيل لكل بلاء ميزان الحق وصفي العدل وكاشف الضر عن البائسين بحبه للعالمين.

ويكفي في كلام علي رضي الله عنه (ما يدل على الصبر الذي يعقبه الفرج)

(قصيدة علي بن ابي طالب)

إِذا اِشتَمَلَت عَلى اليَأسِ القُلوب                                                                                          

وَضاقَ لِما بِهِ الصَدرُ الرَحيبُ                 

وَأَوطَنَتِ المَكارِهُ وَاِطمَأَنَّت                                                                                 

وَأَرسَت في أَماكِنِها الخُطوبُ

وَلَم تَرَ لِاِنكِشافِ الضُرِّ وَجهاً                                                                 

وَلا أَغنى بِحيلَتِهِ الأَريبُ

أَتاكَ عَلى قُنوطٍ مِنكَ غَوثٌ                                                                                      

يَمُنُّ بِهِ اللَطيفُ المُستَجيبُ

وَكُلُّ الحادِثاتِ إِذا تَناهَت                                                                                     

فَمَوصولٌ بِها فَرَجٌ قَريبُ

عبدالله علي بايعشوت

 

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *