تمر الأيام مر السحاب، وجلّ الناس في غمرة الحياة ساهون، والكثير منهم يبحثون عن التغيير للأفضل، وتطوير ذاتهم للأحسن، والإنسان المتميز يحرص دائما على تطوير نفسه، وتبديل سلوكه الخاطئ إلى الصحيح، وصفته السيئة إلى الحسنة، ولا يقف عند حد معين، بل يسعى لتحصيل المزيد من الأفضل، وتحسين مستواه الدنيء.
لكن هناك البعض قد أثقلتهم الذنوب، وكبلتهم المعاصي، وقيدتهم الآثام، وتفنن الشيطان في إغوائهم، فساروا للهوى مذعنين، وللمحرمات طالبين، وعن الصواب منحرفين، وعن الحق مدبرين، وبالرغم من ذلك يريدون اللحاق بالسابقين، وإدراك التائبين، لكن بُعد الشقة جعلهم يتكاسلون، وعن رغبة الهدى متراخون، فشهر رمضان فرصة كبيرة وعظيمة للتغيير.
وقد عوض الله في هذا الشهر ما يستطيع تعويضه من تقصير، وكل ما تريد استبداله قد هيأه الله فيه، من صلاة، وقيام، وبر، وإحسان، وذكر، وتلاوة، وصلة للأرحام، وصبر عن الحرام، وبذل للمال، وحفظ للجوارح واللسان، فرمضان فرصة للتغيير، وبداية للتحول الإيجابي، وهو أيضا بمثابة الدورة التدريبية للنجاح، وتحقيق الرغبات، ونيل المراد، وتصحيح المسار، والعبور إلى طريق الأبرار، وتجنب أهل الغواية الفجار.
كلنا بحاجة ماسة لمحاسبة أنفسنا، ونراجع أحوالنا، ونستذكر ماضينا، ونصحح ما كان من تفريط منا، وهذه فرصة جليلة لنرجع إلى الحق والمسار القويم.
والاستمرار على الصواب، والعض عليه بالنواجذ، والعودة إلى رحاب الله، وترك ما ألفته النفس من اللهو والهوى قد يكون الفكاك منه صعب، ولكن لا بد من إرادة قوية، وعزيمة للتحويل إلى الأفضل، ويحتاج لإلزام النفس بالعمل، ومجاهدتها، والخروج عن المألوف، والروتين اليومي الذي يعيش فيه كثير من الناس.
فالتحويل للأفضل يحتاج لمحفزات، ويحتاج إلى من يأخذ بيده، وفِي رمضان تتوفر كل هذه المميزات التي توصل للنجاح، فالكون كله يتبدل في رمضان، والنفس مقبلة على العبادة إما راغبة أو مرغمة، وينتظم المرء بوقته انتظاما دقيقا، ويلتزم به ويحافظ عليه، فكلما كان العمل ظاهرا وواضحا تَعجّل التغيير، وما أجمل أن ترى نتاج أعمالك أمامك، وإدامة العمل يحتاج إلى تكرار ذلك مرارا، والمختصون يقولون: أن الإنسان يحتاج من ٦ إلى ٢١ يوما ليعتاد على سلوك جديد، فما بالك إن كررت ذلك من ٢٩ إلى ٣٠ يوما.
ومن أراد السير في طريق التغيير فلا بد له من محفزات طوال الطريق، ولذة الإنجاز، وإتمام العمل لا يساويها لذة، فكلما قطع شوطًا في طريقه كافأ نفسه بأن يؤدي عملا يحبه.
والتحول الإيجابي ينطلق من معادلة بسيطة تقول: انظر في واقعك وقيّمه، وضع خطة واضحة للاستبدال، ثم حاسب نفسك دائما، وستصل لمرادك ونجاحك، واجعل لنفسك شعارا معبرا عن الحقيقة الذي تريد أن تحققه، وعلينا إدراك أن التغيير يعتمد على أركان ثلاثة، وهي: الرغبة، والمعرفة، والتنفيذ، فمن لا يرغب في التغيير لن يتغير، ومن لا يعرف التغيير سيتغير ولكن ربما للأسوأ، لأنه في الأساس هو علم ومعرفة ومن لا ينفذ ذلك سيبقى مجرد إنسان واهم عابث، نحن نعلم أن بين أيدينا فرصة حقيقية للتغيير، فلنشحذ عزائمنا، ولننطلق نحو مناهل الخيرات.
سامر المزي
مقالات سابقة للكاتب