رسائل مبتعث – ١٣

إعتذار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد

فإنني أعتذر من جميع القراء والمتابعين على تأخري في مواصلة كتابة الرسائل لهذه الفترة الطويلة والتي أمتدت لأربعة أشهر تقريبًا وذلك لعدة أسباب منها إنشغالي بالإختبارات النهائية للفصل الدراسي ما قبل الأخير في الجامعة ، إلتزامي بفصل دراسي أخير في الصيف والذي أستمر حتى 12 رمضان وعدم تمتعي بإجازة الصيف في السعودية ، قدوم شهر رمضان وإنقطاعي عن الكتابة وجميع وسائل التواصل الإجتماعي في رمضان كما هي عادتي كل عام في هذا الشهر الفضيل.

ها أنا أعاود الركض مجددًا ليس فوق المستطيل الأخضر ، وإنما الركض بقلمي فوق الورق الأبيض أو بالأحرى الركض بأصابعي فوق لوحة المفاتيح ، فأدعوا الله سبحانه وتعالى أن يوفقني للإستمرار إلى آخر رسالة كما قررت لها أن تكون ناقلاً أخينا الطالب إبراهيم إلى المرحلة الجامعية إن شاء الله.

تمنياتي للجميع بقراءة ممتعة على أمل أن يحوز ما أكتبه على رضاؤهم وإستحسانهم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرسالة الثالثة عشر

وجدت أمامي الأستاذ عبدالرحيم ، وهو الذي درسنا مادة اللغة الأنجليزية في الصف الأول المتوسط أتتذكره … كم هي عجيبة الدنيا ، عرفت منه أنه قدم قبل يومين لإكمال دراسته العليا في تخصص تدريس اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها ، وسيكون زميلي في معهد اللغة الإنجليزية !! كم هي الدنيا صغيرة ، وصدق من قال ( مصير الحي يتلاقى) وكم هو جميل أن ترى معلمك الذي تكن له التقدير والإحترام لديه هذه الهمة العالية في طلب العلم وتطوير نفسه ، فبعد سنوات من التدريس يعود إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى وهو رب أسرة ولديه أبناء… عندما رأيته تلكأت قليلا في السلام عليه ، ليس تلكؤ الكاره وإنما أصابني نوع من الرهبة المخلوطة بالحب والإحترام لما كنت أجده منه أيام كان يدرسنا في المدرسة .. حيث كان يشد علينا في الدراسة وفي الواجبات وكنا نكره ذلك منه لصغر سننا ، وكان هو يعرف أن ما يفعله في مصلحتنا … عرفت ذلك عندما حضرت إلى مقر بعثتي … بعد تلكؤ بسيط أقدمت عليه وصافحته ثم شعرت بأن المصافحة لا تكفيه ، فواجبه علي أكبر من ذلك ، فعانقته عناقًا شديدا هو استغرب له لأنه لم يعرفني فقد مر على آخر لقاء بيننا أكثر من خمس سنوات وله العذر في أنه لم يعرفني لأنه بالتأكيد مر عليه الكثير من الطلاب … المهم أنني جلست بجانبه وذكرته بنفسي فعرفني … عرفت أنه أتى مع زوجته وإبنيه ، الأول ذو العشرة أعوام وإبنه الأخر ذو الستة أعوام وإبنته التي تبلغ من العمر ثلاثة أعوام … عرفت منه أنه كان منذ زمن طويل يفكر في إكمال تعليمه بعد أن حصل على البكالوريوس وإنما لم تسنح له الظروف إلا الآن … دار الحديث في المجلس كما هي عادة المبتعثين عن الوطن … والدراسة … وحضانة الأطفال وغيرها من الأمور التي يواجهها بعض المبتعثين وخاصة ذوي العائلات .. ولهذا أبدى الجميع النصح للأستاذ عبدالرحيم بأن يُدخل إبنيه في المدارس العامة وهي مجانية والتدريس فيها طبعا ممتاز … وأما إبنته فلابد أن يبحث لها عن دار حضانة قريبة من الجامعة أو ما يسمى هنا (دي كير) وهو إختصار للكلمة الإنجليزية (Day Care) أي العناية بالأطفال خلال النهار وهي فترة وجود أبائهم في العمل ، وكما هي عادة المبتعثين هنا هب الجميع لمساعدته ، فرحت كثيرا بلقاء الأستاذ عبدالرحيم وخاصة عندما عرفت أنه سيكون في نفس معهد اللغة الذي أدرس به … دعا الجميع للأستاذ عبدالرحمن بأن يكون الله في عونه لإن مراكز الحضانة الصباحية تكلفتها عالية نوعا ما على جميع المستويات حتى التي تدار من البيوت.

قضينا سهرة جميلة مع أبي عبدالله وضيوفه الأكارم لأن منزل أبي عبدالله دائما – كما أخبرني من سبقني إلى هنا – مليء بالطلبة وهو يستقبلهم كل يوم جمعة وسبت لأنهم يجدون لديه الراحة والمرح والمعلومة الطيبة والنصح لبعض ما يمر بهم من أحداث قد تعكر عليهم صفو حياتهم .. ولأن أبا عبدالله دائم الإطلاع يقرأ عن الأنظمة في بلد الإبتعاث وعن القبولات في الجامعات فقد كان مرجعا مبدئيا لمعظم ما يسأل عنه الطلبة حتى أن البعض سماه المرجع المتحرك … طوال السهرة كنت أفكر فيما سوف تكون عليه الدراسة خلال الاشهر القادمة وكيف يمكن أن أجتاز الإختبارات المطلوبة مني سواء ما كان منها خلال الدراسة في المعهد أو تلك التي تؤهلني لدخول الجامعة ..  وكنت أسرح أحيانا في التخصص الذي سأدرسه هل سيكون كما توقعت وهل سيضعني على أولى درجات علم الكمبيوتر وهل سيكون هناك مجالاً للعمل عند إنهاء دراستي .. أمور كثيرة مرت في خاطري وأنا أسمع ما يدور في المجلس عن الصعوبات التي لاقاها البعض في إجتياز إختبارات التوفل والإيلتس أو الجي أرإي أو الجيمات أو الذين تخرجوا وعادوا إلى أرض الوطن ولم يجدوا الوظائف المناسبة لتخصصاتهم وظلوا عاطلين لفترة ليست بالقصيرة على الرغم من عدد الوظايف التي عرضت عليهم أو عُرضوا عليها ، وكل شخص له مبرراته ….عندما طال الحديث عن ذلك قال أبو عبدالله : هناك مثل في اللغة الإنجليزية يقول (Don’t cross the bridge until you come to it) أي ( لا تعبر الجسر حتى تصل إليه ) ، ثم أردف ، ربما يبدو ذلك غير منطقيًا وإنما فكر في ما يشابه ذلك ، وأعني بأن لا تختلق لنفسك مشكلة ثم تفكر في حلها قبل أن تحدث المشكلة على أرض الواقع ، كأن تفكر بأن تصاب بمرض ما ثم تبدأ في البحث عن أنواع الأدوية والأطباء المتخصصين في ذلك المرض… إنكم الآن تفعلون نفس الشيء ، أنا معكم بأنه لا بأس من التخطيط وذلك مرغوب فيه ولا بد منه ، وإنما لابد أن يكون التخطيط للإيجابي وربما علينا توقع بعض العقبات والتخطيط لها ، وذلك لا يعني خلق المشكلات قبل حصولها ثم والوقوف عندها…. أتوقف هنا على أمل اللقاء في الرسالة التالية ، فإلى لقاء.

أخوكم

عبدالعزيز عتيق مبروك الصحفي

2 تعليق على “رسائل مبتعث – ١٣

أبوسعود

حلقة ممتعة كسابقاتها
شكراً لك وأقترح أن تجمعها في كتاب
تمنياتي لك بالتوفيق

عبدالعزيز بن مبروك الصحفي

الأخ الفاضل أبو سعود
أشكر لك متابعتك وثناؤك ، أما بالنسبة لأقتراحك فهو جميل وبإذن الله سوف أعمل به، فجزاك الله خيراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *