كثر في هذه الأيام الحديث عن التنمية الذاتية والبشرية والتطوير الذاتي ، وأنها مجرد كلام ليس له تأثير على الأداء أو التطوير وأن معظم الدورات التي تُقدم في هذا المجال هي عبارة عن مجرد كلام حفظه المدرب ثم أصبح يردده في كل مكان والهدف المنشود منه هو الكسب المادي فقط، وأن معظم المتدربين لا يستفيدون من هذه الدورات إلا ورقة الشهادة، هذا إن كان للدورة شهادة.
قد يتبادر إلى الذهن أنني هنا ضد برامج التنمية البشرية أو التطوير الذاتي أو الدورات التي تدور في هذا المجال، مع العلم أن لدي بعض التحفظات على بعض المدربين ولكنني لست ضد دورات التنمية البشرية والتطوير الذاتي، إنما في الحقيقة إنني هنا أود أن أبين شيء يغفل عنه الكثير من المدربين والمتدربين وهو الحقيقة الكامنة وراء التطوير الذاتي والتنمية البشرية.
يظن معظم الناس أن مجرد حضور الدورات التدريبية أو قراءة بعض الكتب عن التنمية البشرية والتطوير الذاتي تعطيه المهارات التي ينشدها وتعطيه النجاح الذي يريد أن يحصل عليه أو الأهداف التي يريد أن يصل إليها، إنما في الحقيقة إن الدماغ له طريقته الخاصة في التعامل مع المعلومات أو الأشياء التي تدخل إليه وذلك بناء على الإستراتيجية التي يرسمها الشخص عن نفسه بكامل قواه العقلية الإدراكية، ثم مع مرور الزمن تتحول تلك الإستراتيجية إلى سلوك بشري لا واعي يتصرف بناء عليه ويحبس نفسه داخله.
إن هناك قولًا معروفًا ينص على أن “80 % من النجاح نفسي، و20 % سلوكي تطبيقي”، وهذا معناه أن ما يتعلمه الشخص في الدورات إن لم يواكبه شعور نفسي وتهيئة نفسية عالية تتسم بالعزم على التطبيق والمواصلة والإستمرار في التعلم المهاري والتقييم والتعديل وإستمرار التطبيق العملي حتى يصل الشخص إلى الإستفادة الكاملة مما تعلمه أو يكتسب أي مهارة عالية – مهما كانت تلك المهارة في مجال بسيط – فلن يصل إلى ما يريد، وأنه لا بد أن تكون تلك المعلومات التي حصل عليها مدعومة بما يواكبها من ممارسة مستمرة وتطبيق عملي برغبة عالية حتى يصل إلى حد الإتقان.
إن التعلم وكسب المهارات يمر بأربع مراحل رئيسية وهي عدم معرفة وعدم مهارة، ثم معرفة وعدم مهارة، ثم معرفة ومهارة واعية، ثم معرفة عالية ومهارة لا واعية، وأحيانًا يضاف إلى ذلك مرحلة خامسة وهي المهارة العالية اللاواعية وهذه تكون موجودة لدى أي شخص مارس عملًا مهاريًا لمدة طويلة حتى وصل إلى حد أن يكون خبيرًا فيه معرفة ومهارة.
إن أراد الإنسان أن يكتسب المهارات والمعرفة التي يريدها فعليه بعد حضور الدورات أو قراءة أي كتاب معرفي أو مهاري أن يبدأ في التطبيق العملي لما تعلمه حتى وإن كانت أخطاؤه كثيرة في البداية فإن الأخطاء تدل على العمل، والأخطاء لم تكن يومًا ما دليلًا على الفشل إنما غالبًا ما تكون باعثًا للتطوير والنجاح وكسب مهارات أعلى، كم من إنسان تعلم مهارة جديدة أو سلك سلوكًا إيجابيًا جديدًا ولم يوفق في البدايات، وإنما مع مرور الوقت وتكرار المحاولات اكتسب قوة ذهنية عالية واستراتيجية نفسية متقنة ورسم لنفسه خطة عقلية جيدة بحيث يستطيع عند تطبيقها في أي مجال يكون من البديهي لديه فرص أكثر للنجاح والتطور، إن تكرار المحاولات بعد السقوط والفشل سلوك فِطري لدى البشر والحيوانات أيضًا، لو تذكر أي شخص المحاولة الأولى له في المشي عندما كان طفلًا أو شاهد طفلًا يحاول المشي ثم يسقط سيعرف أن المحاولات الفاشلة هي التي تقوي العزيمة والعضلات والتفكير والحالة النفسية وتنمي التعلم، لأنه لو لم يقم الطفل مرة أخرى بعد سقوطه لما استطاع أن يمشي أبدًا، إن عمليات السقوط المتكررة لن تحطم قدرات أي شخص، إنما في الحقيقة هي تزيده قوة وخبرة وتكسبه إستراتيجيات محددة تتوافق مع قدراته في تلك الفترة وكيف يستطيع أن ينميها ويتعلم من أخطائه ويعلم الآخرين.
فبدلًا من أن يرمي الشخص أخطاؤه ومحاولاته الغير ناجحة على الآخرين عليه أن يراجع حساباته ويعرف مكامن قوته ونقاط ضعفه فيستغل تلك وينمي هذه ويرسم لنفسه خطة إستراتيجية بناء على ما لديه من موارد ثم يستخدمها بطريقة صحيحة ليصل إلى ما يريد.
ليس هناك حد للنجاح، وليس هناك سن معينة للتوقف عن التعلم والتطور وكسب المهارات، فلننطلق في فضاء العلم والمعرفة وكسب المهارات بتوفيق الله سبحانه وتعالى وأن نعيش دائمًا في الحل لا أن نعيش في المشكلة.
هناك فيلم في “نيت فليكس” بإسم ( (The boy who harnessed the wind مأخوذ عن قصة حقيقية لطفل أنقذ مجتمعه بعزيمة وإصرار، أُوصي بمشاهدته حيث تعلم مخرج الفيلم وممثله وهو شخص واحد لغة تيتشيوا وهي لغة الملاوي ليمثل في الفيلم ويخرجه.
عبدالعزيز بن مبروك الصحفي
مقالات سابقة للكاتب