تأسست الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة”، في 13 ربيع الثاني عام 1432هـ، ومنذ تأسيسها تلعب “نزاهة” دوراً مهماً في مكافحة الفساد في القطاعات العامة.
تشمل مهام الهيئة، الجهات العامة في الدولة، والشركات التي تمتلك فيها الدولة نسبة لا تقل عن 25%، وتسند إليها مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، بما يضمن الالتزام بها، ويدخل ضمن اختصاصها،المتابعة والتحري عن أوجه الفساد الإداري والمالي في العقود المتعلقة بمصالح المواطنين.
ويتمثل دور الهيئة في تطبيق الأنظمة والتحريات، وجمع الأدلة، واستقبال البلاغات من المواطنين، بالإضافة إلى متابعة كل ما يكتب في الصحف ووسائل الإعلام، وفحصها والتقصي حولها، للتأكد من صحتها، ومن ثم اتخاذ الإجراءات تجاهها، وذلك للمحافظة على المال العام.
وبدلاً من البيانات والمنشورات التوعوية التي كانت تقتصر عليها الهيئة سابقاً، شرعت الهيئة في حذر، نحو توجيه انتقادات مباشرة للوزارات والهيئات الحكومية في مقارها، وبحضور كبار القيادات والموظفين، حيث ثار الجدال وتم تبادل الانتقادات والاتهامات بين الهيئة وبعض مؤسسات الدولة.
“نزاهة” خلال العام 1433 – 1434هـ:
خلال العام المالي 1433 – 1434ه، تلقت “نزاهة” بلاغات تشتكي تدنياً في مستوى تنفيذ الخدمات والمشاريع، كتعثر أو تأخر في تنفيذ المشاريع الحكومية، وسوء تنفيذ بعض المشاريع الحكومية، وتدني الخدمات الصحية، وخدمات الطرق، وترهل خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي.
ومن خلال المتابعة الميدانية، لاحظت “نزاهة” وجود نقص في الخدمات المقدمة للمواطنين، مثل سوء الطرق في المناطق النائية، وعدم توفر طرق مسفلتة لبعض المراكز والقرى، وعدم توفير مياه شرب لبعض المراكز والقرى، رغم إبرام عقود متعهدين بتوفير ذلك، بالإضافة إلى سوء حالة بعض المساجد، وضعف الإشراف عليها وصيانتها.
كما رصدت الهيئة، تعثراً في تنفيذ المستشفيات والمراكز الصحية في بعض مناطق المملكة، ونقصاً في خدمات المستشفيات والمراكز الصحية، بالإضافة إلى تعثر إنشاء مشاريع بعض المدارس وتوقف العمل بها، وعدم توفير حافلات للنقل المدرسي لبعض المدارس، كما لاحظت “نزاهة” كثرة التعديات على الأراضي الحكومية، والاستيلاء على ما يتجاوز الأراضي الممنوحة، بالإضافة إلى تزوير صكوك الكثير من الأراضي.
نزاهة في العام 1434 – 1435هـ:
تلقت “نزاهة” بلاغات تتعلّق بفساد مالي وإداري, كسوء الاستعمال الإداري، وإساءة لاستعمال السلطة، وإساءة استخدام المال العام، والواسطة والمحسوبية، واختلاس المال العام، بالإضافة إلى حالات تزوير، وحالات تسيب وظيفي، وحالات رشوة، فيما كان 20% من إجمالي البلاغات عن سوء مستوى تنفيذ الخدمات والمشاريع، وحوالي 5% من إجمالي البلاغات يبلغ عن قصور في الأنظمة أو إجراءات العمل.
وبعد دراسة الهيئة لتلك البلاغات والتحقق منها وإجراء التحري اللازم المتعلق بها، ثبت لديها صحة ما ورد بها من جرائم ومخالفات، ومن ثم أحالته إلى جهات التحقيق أو الجهات الرقابية بحسب الاختصاص، وطلبت التحقيق مع المتهمين فيها، وإحالتهم إلى القضاء لمحاكمتهم.
أمام تحدٍ كبير..
وفي تقرير منظمة الشفافية الدولية، جاءت المملكة في المركز الـ63 عالميا، والخامس عربيا، بعد حصولها على درجة 46 من 100 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2013.
وهو ما أثار سخط مسؤولي الهيئة، وقالوا إن الأجهزة الرقابية والضبطية كافة، أمام تحد كبير لتحسين صورة البلاد، وتعزيز مبدأ الشفافية والنزاهة.
ونوهت الهيئة إلى أن التقرير، على الرغم من أنه لا يعكس الوضع الطبيعي والمأمول، بسبب نقص الكثير من المعلومات التي تستقيها مصادر المنظمة، فإنه يعول على تعاون الجهات الحكومية المعنية بتوفير المعلومات المطلوبة ونشرها وتزويد المنظمات المختصة بها.
العقبات والحل..
وتشكو “نزاهة” مراراً عدم تعاون بعض الجهات والمسؤولين معها، وعدم إفصاحهم للهيئة عن المعلومات الكافية والضرورية لمباشرة دورها في مكافحة الفساد، وقد وُجهت لهذه الجهات الكثير من الانتقادات في قاعات مجلس الشورى، ومن المراقبين والمتابعين للشأن العام.
ولأداء أفضل للهيئة، طالب بعض المسؤولين والفاعلين، بضرورة أن تحارب الهيئة الفساد عن كثب، قبل أن يعتريها هي نفسها الفساد، قائلين إن رائحة الفساد قد تفشت بالمجتمع، ولابد من تفعيل دور الهيئة قبل أن تتهم هي بالفساد.
ويرى بعض المراقبين أن الهيئة يعتريها بعض القصور، ويعزونه إلى عدم استنادها إلى التشريعات والأنظمة الفاعلة، وافتقادها للصلاحيات الكافية لملاحقة المتهمين والفاسدين، وغياب البيئة التي تحاسب وتساند متطلبات الشفافية، ومعايير رقابية صارمة، لا تفرق بين كبير وصغير مهما كانت مسؤوليته وحجم نفوذه وسلطته. مؤكدين أنه لا بد من تعاون المؤسسات المختلفة مع الهيئة، وعلى الهيئة أن ترفع التقارير عن أي شخص يتورط باختلاس أو فساد مهما كان نوعه، وأياً كان موقعه.
بالإضافة إلى ضرورة الإعلان والتشهير عن الفاسدين، وحالات الفساد والخلل والقصور التي تجدها الهيئة داخل المؤسسات والأجهزة والمشاريع الحكومية التي تراقب عليها، لأن من حق المجتمع التعرف على هؤلاء الفاسدين، كما أن أولى خطوات وأد الفساد والقضاء عليه هو التشهير العلني بكل من تسول له نفسه مخالفة القوانين، كي يكون عبرةً لغيره.
أما المواطنون السعوديون، فقد أشارت بعض استطلاعات الرأي التي أجرتها الهيئة حول موقف المواطن السعودي وتقييمه لأداء “نزاهة”، إلى انقسام المواطنين، فالنصف يرون أن ممارسات الفساد المالية والإدارية انخفضت بواقع النصف، عما كانت عليه قبل تأسيس “نزاهة”. فيما يرى نسبة ليست بالقليلة منهم أن الفساد المالي والإداري لم ينخفض، غير أن أغلبهم أجمع أن الهيئة يمكن أن تقدم المزيد في تعقب الفساد وقطع جذوره.