قال الله تعالى ﴿ما أَصابَ مِن مُصيبَةٍ فِي الأَرضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلّا في كِتابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ﴾ [الحديد: ٢٢]
فسبحان الله مدبر الامور …
فلقد تدبرت كثيرا في حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي الشريف فوجدت كم نحن ضعفاء أمام أقدار الله فما من ورقة تسقط من شجرة إلا بإذن ربها وهو مقدر لها ذلك فالكون كله طوع إرادته وملك يديه سبحانه ﴿ عالِمِ الغَيبِ لا يَعزُبُ عَنهُ مِثقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الأَرضِ وَلا أَصغَرُ مِن ذلِكَ وَلا أَكبَرُ إِلّا في كِتابٍ مُبينٍ﴾ [سبأ: ٣] والذين يعطون الطبيعة صفات الخالق جل وعلا كم هم مخطئون فالطبيعة مخلوقة وليست خالق وهي تأتمر بأمر خالقها وليس لها أي خيار أو اختيار في ذلك ….. إذا أمرت فليس عليها إلا أن تأتمر بأمر ربها طائعة أو كارهة ( ﴿إِنَّما أَمرُهُ إِذا أَرادَ شَيئًا أَن يَقولَ لَهُ كُن فَيَكونُ﴾ [يس: ٨٢] ).
هكذا بدون تأخر أو تردد…..
إن الذين قضوا في هذه الحادثة ما جاءوا إلى هنا إلا ليموتوا هكذا وبنفس السبب لا مفر من أمر الله فرحمة الله أدركتهم برغم الألم الذي نحس به تجاههم وحزننا عليهم -يرحمهم الله – في تلك اللحظة أظلتهم العناية الألهية ليختارهم الله ويصطفيهم لديه …..
ولقد خاض الناس في هذا الأمر وبصروا ونجموا وحللوا والكلمة الفصل أنه قضاء الله وقدره سبحانه ﴿لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]
فقضاء الله لا يقابل إلا بالتسليم والإذعان ..
وإلا فما هو الاسلام وكيف نقول اننا مسلمون ؟!! … أليس هو الاستسلام والانقياد لله عز وجل .. وفي أي موضع يكون الانقياد حاصلا إن لم يكن في هذا الموضع ؟!
(( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ))
لقد قضوا شهداء باذن الله ومتى وكيف وفي أي زمان قضوا وفي أي مكان … الزمان يوم الجمعة وفي آخر ساعة فيه ساعة الاستجابة أجابوا داعي الموت بأمر ممن خلق الموت والحياة وأين في أطهر بقعة على وجه الأرض في بيت الله المعظم ، فأي كرامة أكرم الله بها هؤلاء العباد ؟
أي حسنى قدمها لهم خالقهم الرحيم ….
والله إنها لموتة يحسدون عليها ويغبطون لو فقه الناس ذلك … ولكن لحبنا العافية نجد أن ميتتهم قاسية فحاشى لله الرحمن الرحيم محال أن يقسو على عباده وهو الذي خلق الرحمة والرحماء ..
فيالها من خاتمة وما أروعه من ختم للحياة ….
لقد رفعوا في ذلك اليوم إلى بارئهم أنقياء أصفياء متوضئون يتهيئون للصلاة طائفون ساعون …… يا الله ما أرحمك والطفك بعبادك ….
لقد تركوا دنيا الناس يتنافسون عليها وصعدت أرواحهم تعانق الملأ الأعلى عند رب غفور….
إن كانت الطبيعة قتلتهم كما يقول قصار النظر فما ارحمها من طبيعة وكأني بهم لم يشعروا بألم الحادثة إلا كما يشعر المريض بوخز الإبرة تختقرق جلده فإذا بهم في جنات النعيم لحظة فقط دخلوا من باب المسجد الحرام ولم يدر بخلدهم أنهم في تلك اللحظة كانوا يلجون وتفتح لهم أبواب الجنان بإذن ربهم خرجوا من بيوتهم مدعون إلى مائدة من موائد الرحمن في الجنة أعدها لهم ربهم الكريم … أليسوا هم ضيوفه تركوا أولادهم ،أهليهم ، تجارتهم ، أعمالهم ليلبوا داعي الحج ليتشرفوا بضيافة الله فإذا بهم يقدمون على مضيف كريم ..
إن تلك الرياح الهوجاء والأمطار نحن لضعفنا نراها وكانها نذير عذاب وماهي إلا رحمة من رحمات خالقنا الجمة ، وابتلاء لصبرنا وتحملنا وإيماننا ، وهل نتسخط أم نلوذ بجناب الله نسأله الرحمة وغفران الذنوب … إن بشريتنا الضعيفة لا تتحمل بعض الأمور ولكن إذا تفكرنا قليلا ورأينا كم من النعم التي نتقلب فيها ثم نقوم بمقارنة بسيطة بينها وبين ما نظنه نقمة وعذاب فسوف نجد أن انصفتنا نفوسنا الجزوعة أن هذه الابتلاءات ماهي إلا نقطة من بحر النعم التي أنعم الله علينا …. لكن الإنسان بطبعه جزوع نسال الله أن لا يؤاخذنا بتقصيرنا في عبادته والصبر على البلاء ….
رحم الله شهداءنا وعجل الشفاء للمرضى والمصابين .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب