هذه حقيقة غابت عن كثير من الناس متساوون برغم الفوارق المادية والإجتماعية ، وفي الحقيقة كل ميسر لما خلق له ..
فأنت أيها الإنسان لم تختر لنفسك ما أنت عليه ، فانتبه سواءً كنت غنياً أم فقيراً ، أبيض أم أسود ، وزير أم عامل نظافة..
في داخلك أنت هو الانسان ذاته ، وتأملوا في الحجيج على صعيد عرفات ، وفي كل مناسك الحج ، تجد المساواة الظاهرية والله أعلم بالسرائر ..
الأرض كلها متشحة بالبياض رداء وإزار ، حيث لا يمكن أن تتبين الفقير من الغني كلهم متساوون ، وهذه هي إحدى الحكم من الحج فالحمد لله ، والذين يتكبرون ويتعالون يجهلون حقيقة ما هم عليه فقد يكون عامل النظافة في داخله إنسان أرقى من الوزير .. حيث يكون في داخله إنسان يساوي ملئ الأرض من أمثال من نقف لهم بكل إحترام وننحني عند مرورهم واللقاء بهم ..
ومن الجهل أن نظن أن الله سبحانه وتعالى جعل هذا وزيراً لأن الله يحبه ، وجعل هذا خفيراً لأن الله ﻻ يبالي به فحاشا لله ..
ولقد وجدنا في مجتمعاتنا من يقول أن الله لم يجعل هذا فقيراً إﻻ لأنه بعيد عن الله ، وأن نيته غير سليمة ، ولم يجعل هذا غنياً إلا لأنه صافي القلب وطيب السريرة ..
هذا الأسلوب من التفكير يحتاج إلى مراجعة للنفس وعرضها على طبيب القلوب الله جل جلاله ، فيحتاج إلى التقرب أكثر من الخالق سبحانه وتعالى ..
فالنظرة الدونية لأي شريحة من شرائح المجتمع الواحد هو مرض من أمراض القلوب ، يحتاج إلى الذهاب بالنفس إلى صيدلية القرآن الكريم لصرف علاج ناجع من الكم الهائل من أدوية ذلك الكتاب الذي أنزله علام الغيوب ففيه شفاء ورحمة للمؤمنين …
ومن ظن أيضاً أن الفرد في المجتمع يقاس بما عنده من مال وجاه ، فنظرة واحدة إلى القصص المبثوثة في كتاب الله عن الأمم السابقة لهي كافية برد العقول الشاردة إلى حظيرتها ..
فهذا “قارون” من أغنى أغنياء الأرض إن لم يكن أغناهم على الإطلاق .. (فخسفنا به وبداره الارض) إذاً الغنى ليس مقياس ..
وكذلك الجاه ليس مقياس ، وإلا فمن أكثر وجاهة من أبي جهل وأبي لهب وأمية بن خلف وعبد الله بن أبي بن سلول كبير المنافقين؟! .. ( إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وأن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة) ..
إذاً فلمقياس هو تقوى الله ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ..
هذا هو الحق حتى وإن كرهه كثير من الناس ، فالحق ﻻ يتغير وﻻ يتبدل بحسب أهواء الناس ، الحق واحد ولن يتعدد أبداً ..
نعم متساوون والدليل على ذلك ولو أننا لسنا بحاجة إلى دليل ، فالذي لا يرى الشمس في رابعة النهار ولا يحس بحرارتها فهو ميت الأحياء ..
أقول الدليل هو أننا نلبس نفس الكفن فلم نرى غنياً وذا سلطان يلبس الحرير بعد الموت ويدفن في أعالي القصور والدور أبداً ، نفس الكفن يلبسه الغني والفقير والسيد والمسود والأمير والخفير وفي ذات التراب الكل يعود …
حقيقة ظاهرة للعيان إلا لمن كابر هذه الحقيقة وعاند فعما قليل تنجلي للأبصار ويظهر الحق ويسطع البرهان .
فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطﻻً وارزقنا إجتنابه .. وارزقنا يا الله التواضع وخفض الجناح لكل مسلم مهما كان لونه أو جنسه أو عمله ، واجعلنا أخوة متحابين فيك ، وابعد عنا الغرور والكبر والتعالي على خلقك وأهدنا سبل السلام ..
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد ذي الخلق الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخوكم : إبراهيم يحيى أبو ليلى..
مقالات سابقة للكاتب