يقدس الناس عادات وسلوكيات في حياتهم ويصنفونها بكلمات وصفية ترفع من شأنها كثيرا ، أو تحطها في ظلمات العمق والقاع ،حتى أننا نرى من يقصر في مفروضات وواجبات شرعية ، لايؤديها ، ولاينكرون عليه إلا قليل منهم ، لأنها لاتصنيف لها في المجتمع ، ولاتتجاوز ردات فعلهم أن يقولوا ( الله يهديه ) ولايؤثر ذلك في تعديل سلوكه فليست إلا كلمة لاتعدو كونها صوتا عابرا ! لكن كلمة (عيب ) مثلا ، صبغت تصرفاتٍ فجعلتها أشدَّ المحذورات ، ومن وقع في شيء منها نقصت قيمته المجتمعية ، حتى التوبة عندهم لا تفيده ، ولو فعل من الحسنات لهم من بعدها مافعل ستظل واسمة في شخصيته وصمة أبدية !
وكلمة ( واجب ) بمصطلحها المجتمعي كحد السيف مضيا لا أشد منها ! لايُعذر منها العذر ، وكم هي مصيبة عظمى إن حيل بينه وبين أداء هذا الواجب ، ولاعزاء يُواسى به إلا قولهم ( المقبلات بخير وتُكمِّل واجبه ) .
أثار في ذهني كتابة هذه المقالة مانقله الإعلامي المعروف الأستاذ عبدالعزيز قاسم في تغريدات له كتبها بعد أدائه ( واجب العزاء ) لذوي الدكتور الشيخ أحمد زكي يماني رحمه الله ورحم أموات المسلمين جميعا ، وقد ذكر : أن مكلفا يستقبل المعزين عند دخولهم يتأكد من وجود تطبيق توكلنا ، ثم بعده بقليل ، آخر يقيس حرارة الداخلين ، وعند دخولهم موقع الاستقبال كان عدد قليل من ذوي الفقيد يستقبلون التعازي من خلف حاجز بسيط يشير إلى التباعد وعدم المصافحة ، فتخيلت هذه الصورة الرائعة التي رسمتها الحضارة بمداد المعرفة ، وجسدها سلوكاً الوعي الراقي ، فحينما لم يجدوا بدا من استقبال المعزين كان في استقبالهم لهم درسا تطبيقيا مميزا .
وفي صورة أخرى في مثل هذا الظرف وفي جهة عريضة من المجتمع ، كم من التجاوزات التي شجعها قولهم ( واجب ) دون أن ينضبط هذا الواجب بالوعي المعرفي والالتزام الشرعي ، أوالنظام الإجرائي ، فيزدحم الناس كثيرا ، وعند بعضهم تكون الولائم وكأنها احتفالية ، ويصطف صف طويل يستقبلون التعازي ، وليس كلهم مصابين في الفقيد بل ما أوجبته كلمة واجب ليس إلا … التي أتعبت الكثيرين بقدسيتها في المجتمع ، وكلمة عيب التي يخافون منها كخوفهم من ذلك الوهم (السعلي) الذي عاش كثيرا وعمّر طويلا في مجتمعاتنا وأرعب الصغار والكبار ! .. ثم علموا أنه من الخرافات فاختفى .
ولعله من حسنات جائحة كورونا أن وجه الاحتراز من العدوى بها المجتمع إلى سلوك جيد ماكان أحد يجرؤ على الاتصاف به مع حسنه .
⁃ وما أجملنا وأفضلنا ونحن نتخلق في حياتنا بأخلاق ديننا وما أسمى سلوكنا وأعظم أجرنا ونحن نتأسى بنبينا صلى الله عليه وسلم وبصحابته من بعده ( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21/ الأحزاب).
أحمد بن مهنا الصحفي
مدير مكتب التعليم بمحافظة خليص سابقا – مدرب معتمد في المسؤولية المجتمعية
مقالات سابقة للكاتب