الحياة مركب يسير فوق بحر ذي أمواج متلاطمة مرة يخفض وأخرى يرتفع ولسان حالنا يقول اللهم سلم سلم.
إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
فالمسلم مبتلى فقد يطأ على النيران ويتوسد الأشواك حيناً من الدهر، وقد يتبوأ أعلى سلالم المجد – فيسكن القصور الفخمة ويتنعم بحدائق وأزهار ذات بهجة ، ولا يخلو الحال من غنى فاحش ، أو فقر متقع ، والمؤمن بكلتا الحالتين راضٍ .
قال – صلى عليه وسلم – : “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له . “
استمعت لقصة حقيقية رواها الشيخ العتيق يقول فيها إن رجلاً مرت به ضائقة مالية فقال مالي بعد الله إلا ابن عمي فلان ، فذهب إلى موقف سيارات الأجرة واتفق مع أحد السائقين أن يوصله بيت ابن عمه الذي يبعد عن مقر سكنه حوالي ٢٠٠ كم ، والمشوار ٤٠ ريالاً ، على أن يعطيه المبلغ بعد أن يوصل ابن عمه ، بحيث هو من يدفع الأربعين ريالاً المتفق عليها مسبقا ، وعند طرق باب منزل ابن عمه اتضح أنه مسافر ، فضاقت الدنيا في وجهه، وانحرج أشد الإحراج من ذلك صاحب التاكسي ، واعتذر منه فقدر الموقف وذهب به إلى منزله وتناولا طعام الغداء معاً ، ثم أخذا طريقهما من حيث أتيا، وعندما خرج من السيارة ناوله السائق ٨٠ ريالاً وانصرف .
سبحان مقلب الأحوال من حال إلى حال .
قال الشاعر
دع المقاديرَ تجري في أعَنّتها
ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها
يغير الله من حالٍ إلى حالِ
تغير حال هذا الرجل الفقير فأصبح من الأثرياء فثروته تزيد بالدقيقة
لكن ذلك كله لم ينسيه صنيع صاحب الثمانين ريالاً ، حيث مكث زمناً طويلاً يبحث عنه لجزيه أجر موقفه النبيل .
بفضل الله توصل إليه ودعاه لمجاورته في المدينة التي يقطنها وشرى له فيلا بقيمة ٤٠٠٠٠٠٠ ريال .
قدم الخير فأتته ثماره في الدنيا وفي الآخرة خير وأبقى
قال تعالى : “وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ”.
عمر المصلحي
مقالات سابقة للكاتب