إن ما يدعو للأسف والأسى والحزن أن تقف عند إحدى الإشارات المرورية الضوئية وهي حمراء بالطبع ، فتجد أنك واقفاً لوحدك والمركبات تمر عن يمينك وشمالك ، ويرمقك سائقوها بنظرات وكأنك أتيت بما يوجب السخط ولسان حالهم يقول إنظروا إلى هذا المتخلف وهو يقف في إشارة ليس فيها كاميرات مراقبة أو بجانبها سيارة من سيارات المرور أو دراجة نارية لملاحقتك ، وربما نعتك أحدهم بالجبن والخور والغباء !!! .
والبعض ممن نعني بحديثنا إن لم يجد مجالاً لقطع هذه الإشارات يقف خلفك ويظل يزعجك بمنبه سيارته ، لكي تعطيه مجالاً لقطع الإشارة ، وإن لم تفعل ربما تعدى عليك لفظياً وأساء الأدب بألفاظ تنم عن عدم الإحترام وتقدير الآخرين ..
وأيضاً مما يدعو لمزيد من الأسف أن يظن البعض أن هذه الإشارات لم يضعها واضعوها لا لتنظيم السير وإعطاء كل ذي حق حقه في العبور ، وإنما وضعت لتقييد حركته وتعطيله عن أعماله ، وإلا ما معنى قطع هذه الإشارات وبكل إستهتار واستهزاء ، وربما تصل للسخرية بمن يلتزم بها ؟!
وهل بلغنا حقاً من التخلف والبلادة لدرجة أننا نظن بأن الواقفين في الإشارات إنهم جبناء …
ألا تعلم أيها المستهزء المستهتر إن الذين إبتكروا هذا النظام قد أفنوا أوقاتهم وسهروا وعملوا جهوداً كبيرة كي يصلوا بك إلى بر الأمان أنت ومركبتك الفارهة ، وإعطائك حق المرور بنظام وأن لا يتعدى أحد على حق غيره ؟!
ألم تعلم أنك بهذا العمل قد تودي بحياتك وحياة الآخرين ؟! ، وكم وكم من الحوادث المفجعة قد رأيناها وسمعناها وهي ليست من نسج الخيال بسبب إستهتار بعض قصار النظر والأنانيين والغير مبالين بحياة الآخرين والمغرورين بالصحة والعافية التي هي من نعم الله تعالى ويجب شكرها …
كم من أب خرج لقضاء حوائج من يعول وهم في إنتظاره فإذا بهم يسمعون خبراً مفاده أن عائلهم قد قضى نحبه بسبب طائش لم يرد أن يلتزم بقواعد المرور ، فإذا بالأطفال قد يتموا والنساء قد رملن وهم يعيشون بحرقة لفقد عائلهم ….
بلا نحن … كل يوم نرى ونسمع عشرات من هذه القصص المحزنة ولم يتغير شيء ، وما زلنا نشتري هذه السيارات بمئات الألوف من الريالات لنقحمها في هذا الهوس والجنون والامبالاة ونقحم الأنفس معها ، وهي قد صنعت لغرض قضاء الحوائج لا للقضاء على الأرواح والأنفس ….
وأتساءل متى نرتقي بعقولنا وندرك أننا أمناء على أرواحنا وأرواح الآخرين ، وأننا محاسبون على كل هذه الأعمال التي إن دلت عن شي فإنما تدل على عدم المسؤولية واحترام الغير والتخلف ، فلا يتشدقن أحد أننا قد بلغنا من التقدم والرقي إن كان هذا حالنا ، وعلينا الإعتراف بشجاعة إذا كانت هذه هي حالنا أننا مازلنا نحبو في طريق التقدم والرقي ..
مصيبة أخرى .. من المسؤول عن هؤلاء الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم والرشد وهم يجوبون الشوارع والأزقة بسيارات لا يكاد أحدهم يرى من خلف المقود ؟! ، وللوهلة الأولى ربما ظن الناظر أن السيارة تسير بدون سائق ، فإذا به يرى طفلاً يقود هذه المركبة ويتساءل أي أب أو أم سمحا لأنفسهما بأن يعطوا هذا الطفل الغرير هذه السيارة ، وكيف يقضيان الدقائق التي ينتظران فيها عودة إبنهما ، ألا يساورهما القلق عليه ؟! ، وهما يعلمان علم اليقين أنه غير راشد وكم سمعنا من القصص التي تشبه ما قاما به منذ لحظات ، وهل ينفع النواح والعويل إذا وقعت المصيبة لا سمح الله ، وماذا يقول هؤلاء ؟ ، هل يقولون أنه قضاء وقدر ؟! ..
إذن هل نسمي من يلقي نفسه من شاهق قضاء وقدر ؟! ، كيف يفهم هؤلاء القضاء والقدر فمن يخبرني …
لقد تعب المصلحون حقاً وجفت حلوقهم وهم يناشدون الآباء والأمهات بعدم الإقدام على مثل هذا التهور ، ولكن صيحاتهم ذهبت أدراج الرياح فلا يسمعون سوى رجع أصداء أصواتهم محملة بالمزيد والمزيد من هذه المآسي المحزنة ، والوطن في أمس الحاجة لهذه الأرواح والأنفس المهدورة من شبابنا ، أصلحهم وهداهم الله ، ولكن لن نيأس مادامت أرواحنا وأنفاسنا تتردد داخل أجسادنا ، سنظل نحاول ونحاول فربما يصلح بعض ما فسد من مجتمعاتنا ..
وأخيراً وليس آخراً أختم بقول الصحابي الجليل عثمان بن عفان ذي النورين رضي الله عنه حيث قال ( إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن) ، وصدق من قال ( من أمن العقوبة أساء الأدب ) …
“إبراهيم يحيى أبو ليلى”
مقالات سابقة للكاتب