إلى زمن قريب كنت أظن أن الثوابت الأخلاقية هي مسلمات راسخة لا تقبل التغيير والتبديل لدى من أعرفهم على الأقل وحفظت أسماءهم في ذاكرتي قبل ذاكرة هاتفي ، ولكن بدا لي أن التغيير ظاهرة كونية طالت حتى القيم والمبادئ والأخلاق ، فأصبح الكذب أصنافاً ، منه المباح ومنه المكروه ومنه الحرام بحجة التجمل والتلميع وتحسين الصورة .
قد تتفاجأ حين يقدمك صديق أو أخ أو قريب إلى أناس تجمعه بهم صلة صداقة أو زمالة أو مصلحة على أنك مسؤول في وزارة مع إنك موظف بسيط بها ، معللاً كذبه المباح هذا بالتجميل وتلميع الصورة ، وإذا حضر مجلساً يرى أن الصمت جريمة ونقص كبير في شخصيته ، لذا قد يدلو بدلوه ويبدي رأياً في موضوع ليس لديه إلماما بأدنى جوانبه ويخبر بما رأى وسمع ، وهو لم يسمع ولم يرى ، كل ذلك بحجة إثبات الوجود ولفت الأنظار وأنه من الكذب المباح على حد رأيه .
حكمته في الحياة جاور السعيد تسعد ، فأتخذ التملق ديدناً والتزلف طبعاً فهو يتقرب إلى كل من يرى أنه يجدي نفعاً ، يرى التواضع للناس تكرماً منه ومنةً وإحساناً يجب أن يُشكر له ويُذكر عنه .
جهل ومادرى أن كل كلمة يلفظها بلسانه أو يخطها بيمينه يراد بها زيداً أو عمرو لم تستقر في قلبه ولم تتسوغها قناعته هي نفاقٌ محض ، ولأنه لا يوجد من يأخذ على أيدي هؤلاء ، ما كان إلا أن كثر أولئك الذين إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وأن يقولوا تسمع لقولهم …
“قد تكون الأقلام سواعد بناء أو معاول هدم فاختر لقلمك وظيفته “ .
مقالات سابقة للكاتب