معاليه يرتدي نظارة الواقع الافتراضي

للبعض من المسؤولين في الإدارة الوسطى العديد من الوسائل التي من خلالها يقومون بإيهام رؤسائهم في الإدارة العليا من الهرم الإداري أنهم يعملون وفق الخطط المرسومة لهم ، ووفق توجيهاتهم ، وتعليماتهم تماماً لايحيدون عنها قيد أنملة .

ومن الأدوات والوسائل التي تم الكشف عنها مؤخراً والتي من خلالها يستطيع هؤلاء المتآمرين المنتفعين النجاح في تحقيق هذا الهدف وببراعة تامة أيضاً هي القيام بإقناع رئيسهم الأعلى الذي استقطبهم ، وعينّهم ومنحهم المنصب الذي يشار له بالبنان ذو العقد المالي الكبير ، والصلاحيات الواسعة ، بارتداء نظارة الواقع الافتراضي التي جاءوا بها بعد أن أدخلوا بها برنامجهم الخاص ، وواقعهم الافتراضي الذي يريدون من رئيسهم هذا أن يراه ، ويؤمن بوجوده واقعاً أمام عينيه ..

ليتهيأ له أنه يعيش الحدث الذي يراه في الواقع، والحقيقة أنه مايراه مجرد وهمٌ تهيَّأ له من خلال خلق بيئة محاكية للواقع من خلال هذه النظارة .

ولجوء بعض المسؤولين لهذه الحيلة إنما هو بقصد إيهام رئيسه الأعلى أنه يعمل وفق الخطط التي رسمها له ، والأهداف المنشودة معه، والنتائج المرجوة ..

وهم وبعد نجاحهم في تلبيس هذا الأمر على رئيسهم الأعلى يعمدون للخطوة التالية التي من خلالها يضمنون بها استمرار الوضع وبقاءه كما هو عليه ، بمحاولة تأمين أفعالهم التي تمت في خطوتهم الأولى وبحثهم عن خلق وإيجاد أدوات تساعدهم وتحميهم من أي خطر قد يؤدي لوجود تهديد يفضي لفضح مؤامرتهم التي عملوا عليها .

فيعمدون إلى الإحاطة التامة ومن كل الجهات برئيسهم الأعلى الذي استسلم تماماً لوضعية ارتداءه للنظارة بعد أن بدت عليه في أول أيام ارتداءها علامات الانزعاج .

الآن عليهم الإحاطة برئيسهم إحاطة السوار بالمعصم ، ومنع أي شخص من الدخول عليه ، بداعي انشغاله بمسؤليات عظام ، لذا كان ردهم دائماً لكل من يطلب الإذن لمقابلة معاليه أن معاليه في اجتماع وأنه هو نفسه مخول بالنظر واستقبال كل المراجعين ، فهو يعرف كيف يتعامل مع طالب الإذن بالدخول ومنحه المخدر الذي يمنحه الشعور بأن كل طلباته ومشكلاته انتهت على يديه من خلال وعود وإحالات لا صحة لها ، يخرج طالب الاذن بعد سماعها وفي اعتقاده أن جميع مشاكله انتهت ، وكل مايحتاجه لكي ينعم بإجابتها هو مجرد وقت يوم أو يومين . !!

وحتى قنوات التواصل عمل هذا المسؤول المتآمر على أن يكون لها مسار إلزامي ونقطه لايمكن لها أن تتخطاها وتذهب لمكتب معالي رئيسه الأعلى .

فهو يعرف بكل مرؤوس تحته إن حاول أي منهم التواصل مع الرئيس الأعلى لكشف هذه المؤامرة التي يعمل على إحكام كل إجراء وخطوة بها ..وهو في سبيل ذلك عمل على قطع كل اتصال ومنع كل تواصل يحاول صاحبه الوصول لمعاليه وكشف مؤامرته هذه التي لم يكتفي بجهوده الذاتية فقط، بل جنّد لها من موظفيه ومن هم تحت إدارته من يمكنهم القيام بدوره حال غيابه،
فاختار لهذه المهمة منهم من لايمانع أن يخدم دون أن يفهم ، أو يتردد في تنفيذ أوامره التي يحرص أشد الحرص أن تكون شفهية لكي يتسنى له إنكارها تماماً أن وجد حاجة لذلك، فكل من اختارهم من معاونيه كان يوافق أن يكون ذلك الموظف الذي لايرى ولايسمع ولايتكلم أو يسأل .!

وهو لكي يسهل عليه إيجاد مثل هذه المخلوقات في الوزارة قام بالتلويح والتلميح لهم من بعيد بما أسال لعابهم له ، وحين عرف بمدى النهم والشره والطمع الذي استقر في نفوسهم ومكث حتى قضى على كل ذرة كرامة وأسكت صوت ضمائرهم ليصبحوا معه أعداء لكل من عاداه ، وغضباً لامبرر له لكل من يغضبه وأصبحوا ينزعجون لانزعاجه دون وجود سبب أو حتى فهم، أدمنوا طاعته واتباعه والسماع لصوته فأصبحوا نسخا مكررة منه يشبهونه في كل شيء، إلا في ملامح وجهه .

إن هؤلاء المسؤولين يعززون هذا الواقع الافتراضي في عين وذهن رئيسهم الأعلى لكي يرى مشهداً غير المشهد .
وذلك لكي يرى جهودهم جبارة ..
وأعمالهم عظيمة ..
ونتائجهم قياسية ..
ومبادراتهم غير مسبوقة ..
يقدمون له إحصاءاتهم التي زوروها
ومؤشراتهم التي زيفوها ..
ونجاحاتهم التي ابتكروها من خيالاتهم المريضة
وبرامجهم التي أدمنت الخلل والأعطال على أنها ناجحة وتعمل كساعة لندن .. وأرقام وفورات مالية مضاعفة دخلت لخزينة الوزارة .

وحين يشاهد الرئيس الأعلى كل هذه الإنجازات من خلف عدسات نظارة الواقع الافتراضي يعتقد بصحتها ويصدق ما رآه .. فتكون ردة الفعل البديهية حينئذٍ منه هو التصفيق بحرارة لكل هذه الإنجازات فيعمد إلى الإشادة !!
والشكر !!
والثناء !!
وإرسال التهاني على صدر صفحات الجرائد ..
وفي مواقع السوشل ميديا ..
فيغرد بها كل مطبل .. ويحصل على الترند ..ويصبح حديث الناس
وصور الرئيس الأعلى تملأ الفضاء الوهمي
بفضل نظارة الواقع الافتراضي التي يرتديها والتي يعود لها الفضل في تحقيق هذا الإنجاز.

ويبقى الحال هذا مابقي الرئيس الأعلى مرتدياً لهذه النظارة .

ويعلم المسؤول المتآمر بهذه الحقيقة ولكي ينعم بجلوسه أطول مدة ممكنة على كرسي المنصب هذا ..
عليه أن يعمد ويحرص بشدة على أن يحرم الرئيس الأعلى فكرة خلع هذه النظارة .
وتحقيق هذا المطلب بالنسبة لهذا المسؤول المتآمر لن يتآتي إلا ببقاء النظارة على محيا معاليه .

 

فايز البشري

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “معاليه يرتدي نظارة الواقع الافتراضي

الدكتور/حمد البشري ابو نبيل

شكرا ابا اصيل على هذا المقال الجميل ويبدو ان هذه النظارة التي تخفي وراءها هي تماما مثل الأكمة والمثل يقول وراء الاكمة ماوراءها. عموما المقال تطرق الى مشكلة المسؤول غير الكفء الذي يقاد يمنة ويسرة كيف ماء شاء الآخرون وهذه نتيجة سوء اختيار صاحب القرار في التعيين لهذا الشخص ،ولو ان فيه متابعة حقيقيةلكشف الامر والفساد المستشري في الاجهزة بكافة انواعه ،ولكن املنا ان تنجح مكافحة الفساد في القضاء عليه او تحجيمه على الاقل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *