السوشل ميديا

فايز البشري

 

حضرت .. وأصبحت سيدة المجتمع ..
فرضت .. نفسها بقوة ..وأعلنت سطوتها على الحضور وأعادت الكَرة المرة بعد المرة ..
حتى أذعن لسطوتها جميعهم دون استثناء .. ولها استسلمت نفوسهم وأقرّت ..

قدموا لها تعبيرهم عن رضاهم في مشهد مهيب ..
كان منظرهم أمامها لايكاد يلم به مشهد ولايحيط به وصف ..

في رقي تام .. تقدموا بهيئة رجل أرستقراطي واحد ..
مالوا .. وانحنوا انحناءة بسيطة أمامها ..

نزعوا قبعاتهم ومعها رؤوسهم وأشاروا بها أمام قدميها ..
لتشير هي لهم بإعجابها من هذا الاتيكيت الذي طغى عليهم وظهر في التفاصيل الدقيقة من حياتهم وهذّبهم و روضّهم حتى وصلوا لهذا التعامل الراقي معها ..
اطمأنت هي إلى أنها تسير نحو الاتجاه الصحيح ..
عرفت أنها امام كائن مختلف ..
مختلف تماماً عن ذلك المخلوق الذي التقت به وعرفته في أول لحظات ظهورها ..

حاولت إخفاء ابتسامة صغيرة

جراء سعادتها بما وصلت إليه الأمور حتى الآن ..

في مدة وجيزة .. تمكنت من سلب كل علاقاتنا الحميمة ..
أخذت أشياءنا الجميلة .. عاداتنا .. وتقاليدنا وأعراف القبيلة ..
تركتنا بعيدين ..
غرباء حتى ونحن في بيت واحد أو تفصلنا عن بعض مسافة قصيرة ..
استمرت .. واستمرأت .. وتجرأت .. وتمردت
وفي علاقتنا بأقرب أحبابنا تدخلت .. وتوغلت ثم تعمقت ..
ولأنها تخفي الوجوه .. والملامح والنوايا .. والشخوص .. تمكنت وسيطرت.. وفي أعماقنا توغلت وتغلغلت .. وأخذت تضع المكيدة تلو المكيدة .. وتنشر بيننا الإشاعات ..غايتها وكل ماترجو أن تحصل بيننا القطيعة ..
ونالت .. ماتريد ..

إنها *السوشل ميديا *

بسببها أصبحنا نحن وإخواننا وأصدقاءنا بعيدين .. عن بعضنا .. كلنا بعيد .. كلنا وحيد .. يمر الشهر والثاني ونحن في شغل عن بَعضُنَا تائهون .. لايرغب أحدنا في مجالسة أي قريب .. وكلنا عن الآخر شريد .. ندَّعي المحبة والقرب والأخوة ونحن عنها في متاهة الزيف والوهم .. كلنا بعيد ..
نكتفي بالسلام من بعيد أو من خلال بريد ..
من العيد وحتى العيد ..
نلهث في عجالة نحو اللا وصول .
نرقب في نهاية المطاف أن يتحقق لنا الوصول .. ولكن هيهات يمضي بنا العمر ونفقد الوجهة والهدف والوسيلة والوصول.
فالحذر الحذر إن بقي هناك شيئاً نحتفظ من خلال الحذر.

 

فايز البشري

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *