بلاد التوحيد

فِي بِلَادِنَا الْمَمْلَكَةَ الْعَرَبِيَّةَ السُّعُودِيَّةَ نَنْعَمُ بِنِعَمٍ لاَ تُحْصَى، افْتَقَدَهَا الْكَثِيرُ مِنَ الْأَعْدَاءِ فَحَسَدُونَا عَلَيْهَا، وَسَعَوْا إِلَى زَوَالِهَا، وَكَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]. 

فِي بِلاَدِنَا نِعْمَةُ التَّوْحِيدِ وَالْعَقِيدَةِ الصَّافِيَةِ؛ فَلاَ قُبُورَ تُزَارُ وَتُعْبَدُ، وَلاَ أَضْرِحَةَ تُمَارَسُ عِنْدَهَا الشِّرْكِيَّاتُ؛ بَلْ تَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ لِلْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الْقَائِلِ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، وَقَالَ: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَه} [الأنعام: 162، 163].

ارْتَفَعَتْ بِلاَدُنَا حِينَ رَفَعَتْ رَايَةَ الدِّينِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْوَحْدَةِ، فَحَفِظَ اللهُ بِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ عَلَيْنَا دِينَنَا، وَجَمَعَ فُرْقَتَنَا، وَأَغْنَانَا مِنْ بَعْدِ عَيْلَةٍ، وَآمَنَنَا مِنْ بَعْدِ خَوْفٍ، وَعَلَّمَنَا مِنْ بَعْدِ جَهْلٍ، وَأَلْبَسَنَا لِبَاسَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَفَضْلٍ أَمَدَّنَا وَأَعْطَانَا، فِي بِلاَدِنَا الأَمْنُ، وَوَحْدَةُ الصَّفِّ، وَاجْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ، وَتَمَاسُكُ الْمُجْتَمَعِ قِيَادَةً وَشَعْبًا، مُمْتَثِلِينَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، وَقَوْلَهُ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}  [آل عمران: 103].       

إِنَّ أَعْدَاءَ هَذِهِ الْبِلَادِ الْمُبَارَكَةِ بِلَادَ الْحَرَمَيْنِ وَقِبَلَةِ الْمُسْلِمِينَ، لَن يَدَعُوا فُرصَةً إلاَّ انتَهَزُوها ولا مَقتَلاً إِلاَّ أَصَابُوهُ، وَلا ضَعفًا إِلاَّ استَغَلُّوهُ، وَلا بَابَ تَفَرُّقٍ إِلاَّ فَرِحُوا بِهِ وَوَلَجُوهُ. مِمَّا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعًا الْعَمَلُ عَلَى تَحْقِيقِ أَسْبَابِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ عَلَى كُلِّ عَدُوٍّ مُتَرَبِّصٍ حَاقِدٍ عَلَى دِينِنَا وَبِلاَدِنَا، وَالَّتِي مِنْ أَهَمِّهَا: 

  1. التَّمَسُّكُ بِهَذَا الدِّينِ، وَالْقِيَامُ بِهِ قَوْلاً، وَاعْتِقَادًا، وَعَمَلاً، وَدَعْوَةً، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] فلا عِصمَةَ مِن فِتنَةٍ، ولا خُروجَ من أزمةٍ إلاَّ بِذلِك؛ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82) ، وَمَا وَقَعَتِ الفِتَنُ، ولا المَصَائِبُ، إلاَّ بِسَبَبِ ذُنُوبِ العبادِ ومعاصِيهم!.{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران:165). 
  2. صِدْقُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَتَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلَيْهِ، وَالثِّقَةُ بِوَعْدِهِ وَنَصْرِهِ، مَعَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ، قَالَ تَعَالَى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران].
  3. وَحَدَّةُ الْكَلِمَةِ وَالصَّفِّ: أَيَّهَا الْأَحِبَّةَ إِنَّ الْمَمْلَكَةَ الْعَرَبِيَّةَ السُّعُودِيَّةَ بِلاَدَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ هِيَ بِلاَدُنَا وَدَارُنَا وَبْيتُنَا وَمُسْتَقَرُّنَا، الْوَلاَءُ لَهَا بَعْدِ وَلاَءِ الدِّينِ، وَأَمْنُ الوطَنِ وَاسْتِقْرَارُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ تَطَلُّعَاتٍ وَفَوْقَ كُلِّ مُطَالَبَاتٍ، وَعِنْدَ التَّقَلُّبَاتِ وَالشَّدَائِدِ هَذَا هُوَ أَوَّلُ وَأَوْلَى مَا يَجِبُ النَّظَرُ فِيهِ وَالتَّطَلُّعُ إِلَيْهِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ، وَالاِسْتِمْسَاكُ بِهِ، فَمَهْمَا تَبَايَنَتْ أَرَاءُنا وَمَهْمَا تَعَدَّدَتْ مَطَالِبُنَا وَتَنَوَّعَتْ رَغَبَاتُنَا وَآمَالُنَا الْمَشْرُوعَةُ فَيَجِبُ أَنْ نَكُونَ عَلَى يَقَظَةٍ تَامَّةٍ مِنْ أَمْرِنَا. 

إِنَّ قُوَّةَ الدَّوْلَةِ قُوَّةٌ لِشَعْبِهَا، وَإِنَّ زَوَالَهَا إِيذَانٌ بِهَلَاكِ مُوَاطِنِيهَا، وَانْظُرْ مَا حَوْلَكَ تَعْلَمْ ذَلِكَ. وحبنا لِبَلَدِ التَّوحيدِ والعَقِيدةِ، ومَهدِ السُّنة والرِّسالَةِ، وَمَهْبِطِ الوحيِ والقُرآنِ، وَمَأْرِزِ الإيمَانِ والأَمَانِ، أَرضِ الْحَرَمَينِ وقِبلَةِ الثَّقَلَينِ! ولا نُلَامُ على ذلك. ومِن حقِّ أوطانِنِا علينا أنْ نكونَ لِتحقيقِ مَصالِحها سُعاةً، ولِدَرءِ الْمَفَاسِدِ عنها دُعاةً، ولأمنِها واستقرارِها حُماةً، فما عُمِرَتِ الأَوطَانُ بِمِثْلِ الأَخْذِ بالعقيدةِ الإسلاميِّةِ، وتحكيمِ الشَّريعةِ الرَّبانيَّةِ، قالَ اللهُ تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}. 

أَيَّهَا الْأَحِبَّةَ مَن يُحِبُّ الوَطَنَ حَقِيقَةً، لا تَرَاهُ إِلَا حَرِيصًا عَلَى أَمنِهِ، مُطِيعًا لِوُلاةِ أَمرِهِ، نَاصِحًا لِقَادَتِهِ، عَامِلًا بما يُسَنُّ مِن أَنظِمَةٍ وتَعْلِيمَاتٍ، مُقَدِّرًا لما يُبذَلُ لِلبِنَاءِ وَالتَّقَدُّمِ، فَنحنُ مُجتَمَعٌ كَسَفِينَةٍ واحدَةٍ، فأَيُّ خَرْقٍ فيها فَإِنَّمَا هُوَ إِيذَانٌ بِغَرَقِهَا فَلْنَلزَمِ الشُّكرَ؛ فَإِنَّهُ قَيدٌ للنِّعمِ، وَسَبَبٌ لازدِيَادِهَا:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم} (الْأَنْفَالِ: 53). فَحَافِظُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَحَافِظُوا عَلَى أَعْرَاضِكُمْ، وَذُرِّيَّاتِكُمْ، وَحَافِظُوا عَلَى بِلاَدِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَنْدَمُوا، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}  حَفِظَ اللهُ لَنَا دِينَنَا، وَأَمْنَنَا، وَبِلاَدَنَا، وَوُلاَةَ أَمْرِنَا، وَجَمَعَ اللهُ كَلِمَتَنَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ. 

 

الدكتور علي أحمد الصحفي
رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة والإرشاد
وتوعية الجاليات في غران

مقالات سابقة للكاتب

7 تعليق على “بلاد التوحيد

غير معروف

لافض فوك يادكتورنا المحبوب
ابومحمد المغربي

وارد ابن شاكر الصحفي

كتب الله أجرك وجزاك الله خير شيخنا الفاضل تدوم النعم والامن والأمان والاستقرار في الأوطان بالحمد والشكر لله رب العالمين حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا وشعبنا من كل سوء وأدام علينا جميعا الأمن والأمان وخيرات الرحمن

أبوعابد

جزاك الله خير يادكتور
نعم نحن في سفينة واحدة ولابد أن نحافظ على سلامتها ونقف في وجه كل من يحاول أن يخرق السفينة
اللهم احفظ بلادنا من كيد الأعداء والكفرة والمنافقين والحاسدين والحاقدين وأصحاب الأهواء والشهوات.

ابومعاذ

بارك الله فيك ونفع الله بك على هذه المقالة المفعمة بالمحبة والخير لهذا الوطن المعطاء والنصح والإرشاد والحرص على ابراز مانحن فيه من نعم عظيمة لاتعد ولاتحصى وهي بفصل الله سبحانه وتمسكنا بكتابه وسنة نبيه صل الله عليه وسلم وهو مايسير عليه قادتنا حفظهم الله وبلادنا حرسها الله ولاشك ان كل ذو نعمة محسود وإن الحفاظ على هذه المكتسبات هو بتوحدنا صفاً واحداً واليقظة والانتباه لكل من يحاول زعزة امننا وإثارة الفتن في مجتمعنا والإلتفاف حول ولاة امرنا اعزهم الله وحفظ بهم البلاد والعباد …. ونتذكر في هذا اليوم المجيد توحيد هذه البلاد بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي والرسالة على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه
حيث توحدت بلادنا وامننا الله من بعد خوف واغنانا من بعد فقر وجوع وصارت منبعاً وشعاعاً للخير والسلام يستقي منه العالم اجمع … حفظ الله بلادنا وقيادتها وادام الله عزها وأمنها واستقرارها

علي الصحفي

جزاكم الله خيرا على تفاعلكم ودعواتكم ونسأل الله أن يديم علينا نعمة الدين والأمن والاستقرار والرخاء وأن يوزعنا شكر نعمته ويحفظ بلادنا وولاة أمرنا ويوفقهم لكل خير

أبوصالح

جزاك الله خيرا أخي الفاضل علة هذا المقال النافع والمفيد

أحمد بن مهنا

حينما يكتب العارفون والعقلاء نقرأ كهذه المقالة الثرية !
شكر الله لكم دكتور علي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *