وقفات مع مسيرة جمعية البر بخليص

من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الخلق خلقهم متفاوتين في كل شيء وهذا الكون قائم على التضاد …
وما يخصنا من هذا الموضوع هو التفاوت في الرزق والمعيشة فهناك أغنياء وهناك فقراء ومعوزين لتتوازن الحياة …
لذلك أوجب الله سبحانه وتعالى في جزء من أموال الأغنياء حقاً يدفع إلى الفقراء وهذا غاية العدل الإلهي ، فعندما يخرج الموسرون بعضاً من أموالهم وهو الفائض عن حاجتهم بالطبع فإن الله العادل لم يكلف الناس إخراج ما يحتاجون إليه حاجة ملحة ، فأوجب على الميسورين أن يخرجوا من أموالهم بطيب نفس ورضى وقبول وإذعان ومجاهدة للنفس – الحريصة على حب الدنيا – وتزكية أموالهم ، وطلب منهم كذلك إخراج الطيب من أموالهم فالله طيب لا يقبل إلا طيباً ، ومن غير من ولا أذى ، يقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) الآية ..
 
وبعد هذه المقدمة البسيطة أردنا ان نمهد للدخول في خضم الحديث عن جمعيات البر عامة وجمعية البر الخيرية بمحافظة خليص خاصة ، فقبل أن تسمى بجمعية البر كانت تسمى (المبرة الخيرية ) حتى عام 1417 للهجرة حيث أنشأت تحت اسمها الحالي .
وكان من أوائل القائمين عليها الشيخ أحمد بن حميد المغربي (الحجري ) حفظه الله ، والشيخ أحمد الفجري الصعيدي عليه من الله سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة ، وكذلك الشيخ حامد هاشم الصبحي حفظه الله ، ولا ننسى كذلك الشيخ محمد حسن الشيخ ، والشيخ حامد الأزهري رحمه الله ، والشيخ عبدالرحيم مهنا الصحفي ، والأستاذ فهد سعود وغيرهم من الذين عملوا في الجمعية ممن يبتغون بذلك وجه الله تعالى ، فإن لم أذكرهم فيكفيهم أن الله يعلمهم …
وهؤلاء الذين ذكرناهم أو الذين لم نذكرهم إنما هم متطوعون لهذا العمل النبيل فقد وفقهم الله لذلك ، فبدون توفيق الله وعونه لن يتم أمر .. 
 
فانشأت هذه الجمعية لتقديم الخدمات للمحتاجين من أهل هذه المحافظة ، وهذا العمل حقيقة إن دل على شيء فإنما يدل على وجود الخير في هذه الأمة ويدل كذلك على التكاتف والتراحم والتلاحم ، كيف لا وقد حث الإسلام على العطف والرحمة والإخاء فيما بين أفراد الأمة الإسلامية والمجتمع المسلم الواحد…
فيما مضى أي في بدايات نشوء هذه الجمعية كان القائمون عليها يبذلون جهداً جسدياً مضاعفاً ، والمستفيدون يجدون عناءً قبل وصول المواد الغذائية خاصة والمعونات المتنوعة عامة ..
ولكن بعد أن من الله علينا بنعمة هذه التقنيات الحديثة وبفضل الله ثم بفضل القائمين عليها الآن برعاية الدكتور حمزة بن عبدالقادر المغربي رئيس مجلس الإدارة ، وبإدارة مدير الجمعية الحالي الأستاذ عبدالرحيم بن مساعد المغربي ، والكادر الذي يعمل معه في هذه المرحلة من مسيرة هذه الجمعية أصبحت الأمور تسير من يسير إلى أيسر بفضل الله تعالى ، فبعد أن كانت السلات الغذائية تعبأ في أوعيتها ويقوم المندوب بإيصالها إلى الأسر المحتاجة أصبح الآن المستفيد يذهب بنفسه إلى المحلات التجارية (المعتمدة لدى الجمعية) ويشترى ما يريد ويدفع بواسطة البطاقة الشرائية التي تصرفها له الجمعية وتغذيها برصيد شهري ، ثم ازدادت الأمور تيسيراً بتدشين مشروع “منافذ” وهو عبارة عن بطاقات تغذى آلياً .
ولقد ساهم في هذا المشروع مع غيره من المشاريع كترميم المنازل والمساجد ومساعدة الشباب المقبل على الزواج وكسوة العيد وغيرها من المشاريع رجل الأعمال الشيخ “عبدالله عبدالرحمن العقيل” ، وكذلك نذكر مشروع اللحوم الذي تنفذه مزرعة الشيخ إبراهيم الجفالي رحمه الله ، وقد تخصصت في توفير اللحوم الطازجة المذبوحة يومياً بمعدل مائة وأربعين ذبيحة في الشهر وعلى مدار العام ، وكذلك مشروع لحوم الهدي والأضاحي الذي يقوم به البنك الإسلامي للتنمية ، وكثير ممن لم نذكرهم قد قدموا ويقدمون للجمعية الدعم في جميع النواحي ….
وهناك مشاريع تقوم بها الجميعة كمشروع الزواج لتسهيل الزواج للشباب بتقديم مساعدات مالية وعينية كالأجهزة الكهربائية وما إلى ذلك ، ومشروع إفطار الصائم في شهر رمضان المبارك من كل عام ، ومشروع السقيا الخيرية ، وأيضا الحقيبة المدرسية الذي تنفذه الجمعية قبل بدء كل عام دراسي وسنوياً ..
 
وكذلك الوقف الخيري …فقد تم تنفيذ وقف خيري بإنشاء عمائر سكنية يعود ريعها على الجمعية لتنفيذ مشاريع أخرى تحقق زيادة الدخل والذي يعود بعدها آلياً للمستفيدين ، كما أنشأت الجمعية القسم النسائي ومراكز تدريب نسائية تتخرج بعدها المتدربة وتكون مؤهلة لإنشاء مشروع خاص تستفيد منه هذه المتدربة فتكتفي اكتفاء ذاتياً ..
 
وبعد أن كانت الجمعية تخدم فئة قليلة أخذت تتوسع خدماتها فأنشأت سبعة مكاتب فرعية ، كمكتب أم الجرم ، ومكتب غرب خليص ، ومكتب وسط خليص ، ومكتب شرق خليص ، بالإضافة إلى مكتب غران ، ومكتب البرزة ، وأخيراً مكتب النخيل ، وتقوم المكاتب الفرعية ممثلة في مدراء هذه المكاتب وموظفيها و المناديب الذين ينوبون عن المستفيدين المسجلين بهذه المكاتب بتحديث ملفات هذه الشريحة من  الأسر المستفيدة من المعونات دورياً ليسهل بذلك متابعة احتياجات هذه الأسر . 
 
وهذه المكاتب لم تنشأ إلا لمساعدة من نأت ديارهم وبعدت عن مركز الجمعية لتسهيل حصولهم على المعونات دون كبير جهد وكثير عناء ، وسوف نفرد مقالاً خاصاً لما تقدمه هذه المكاتب للمستفيدين بإذن الله تعالى .
 
وبهذه الأمور مجتمعة يحرص القائمون على الجمعية على حث الميسورين على التبرع بما تجود به أنفسهم ووصول تبرعاتهم وزكواتهم إلى المستفيدين بسهولة ودون عناء أو جهد ، وهنا يأتي دور اللجنة الإعلامية التي تقوم بطبع المنشورات والمواد الإعلامية للتعريف بأنشطة الجمعية ، وللعلم فإن أكثر القائمين على الجمعية هم متطوعون وهذا من توفيق الله لهم وحرصاً منهم على نيل الأجر والثواب من الله تعالى ، فنسأل الله أن يجزيهم وكل من يسعى في تيسير أمور الناس خير الجزاء ، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتهم ..
 
في كل يوم نرى ونسمع عن مشاريع جديدة تقوم بها الجمعية ولا يعلم مقدار الجهد المبذول من قبل منسوبي الجمعية إلا من اقترب ولمس ما يقومون به ، والكادر الموجود الآن بالجمعية يبتكر تقنيات جديدة لسهولة القيام بالمهام التي تفيد وتيسر على المستفيد .
 
وأهيب من هذا المقام بأهل اليسار والمقتدرين أن لا يتوانوا في البذل فهناك أسر كما قال الله تعالى عنهم ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) ، والجهل هنا عدم الدراية والإلمام بحوائجهم لإظهارهم التعفف عما في أيدي الناس ، وعدم إظهار فاقتهم وفقرهم وحاجتهم ، حتى يحسبهم الذي لا يعرف خفاياهم أنهم أغنياء وغير محتاجين .
لذا تقوم الجمعية بتفقد أحوال من هذه صفاتهم وإيصال المساعدات إليهم خفيةً دون جرح لمشاعرهم ، وهذا هو الكرم والأخلاق الحميدة التي يجب على المسلم التحلي بها ..
 
والنفس الإنسانية تتحرج دائماً من الوقوف موقف المستجدي ، فعلى المانحين والمتبرعين والقائمين على أحوال من هذه صفاتهم وإخوانهم الذين اضطرتهم الحاجة لطرق باب الجمعيات الخيرية أن يراعوا مشاعرهم وأن يقابلوهم بوجوه هاشة باشة لترتاح عندها أنفسهم ، وينبغي كذلك لمن يقومون بخدمة هؤلاء أن يشعروهم أنهم إنما يأخذون حق من حقوقهم وأنهم بعيدون عن الإستجداء ، وليعلموا أن الله سبحانه وتعالى قد وفقهم وسخرهم لخدمة إخوانهم المحتاجين ، وهذا توفيق من الله لهم فيحمدوا الله على أن وضعهم في مثل هذا العمل النبيل و يسألوه ويلحوا في المسألة أن يرزقهم الإخلاص والعون في أفعالهم وأقوالهم ، فالغاية هي رضى الله سبحانه وتعالى أولاً وأخراً ، وابتغاء الأجر والمثوبة لا الثناء من قبل المخلوقين فما عند الله خير وأبقى ….
 
أسال الله أن يرزقنا الإخلاص وأن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه إنه سميع قريب مجيب ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
 
إبراهيم يحيى أبو ليلى 
 
 
 
 
مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *