الاختبارات والقلق

انطلق صباح اليوم أبناؤنا لمواصلة ما تبقى من العملية التربوية في ثوبها الأخير [الاختبارات] ، ينتظرون حصادهم ونتائجهم بعد نهاية المحطة الأخيرة مسلحين بالدعاء و بهممٍ عالية لبناء مستقبلهم المشرق في حياة مجتمعهم . .

تظهر ظاهرة الخوف لدى أبنائنا من الاختبارات ، ويملأ الرعب قلوبهم وهي ظاهرة طبيعية ، نستطيع من تخفيفها و تقليلها متى ما غرس المربون في أبنائهم أن الاختبارات مرحلة جميلة تعطيك دافعا نحو مستقبلك ، وثقة تجاه نفسك ، وتمكنك من فرض قلمك وفكرك أيها الابن على مشروع حياتك . .

يشاهد المجتمع تصورًا رهيبًا عن [ الاختبارات ] في زمن العصر والعصف الذهني ، فنحتاج من يقوي عزيمة أبنائنا ويجعل سقفهم عالي الثمن ويعطيهم الأمن والإيمان ، فالجزء من المربِين لا يهتمون لذلك ولا يصغون آذانهم لحاجات الأبناء ومراعاة طبيعة العملية التعليمية هذه الأيام ، فتجده يتفاخر بأنه وضع اختبارًا شديد الأسئلة و لن يأتِ طالب بمكسب درجات ، نسي أنه كان يومًا ما مكان هذا الطالب لكن سرعان ما تناسى هذا الموقف ونسب النجاح لنفسه دون أحد.

تسبب الاختبارات هلعًا وقلقًا في مجتمعنا ؛ نظرًا لعدم تخطيها المرحلة العلمية الصحيحة ، فتجد المربي لا يعرف خصائص نمو المرحلة التي يعمل بداخلها ، بل لا يتقن التعامل الفسيولوجي مع الأبناء مما يتسبب ضررًا على المدى البعيد للأبناء ، فأصبحت [ الاختبارات ] المدرسية تعد من أسباب ضعف الشهية ومجزرة للخوف ، وذهاب النوم وراحة الجسم لدى المراهقين تحديدًا ، فمن أوصلهم لهذا ..؟ هل نسي المربي جهد الطالب لمدة عام ثم يحاسبه على ساعة اختبار أم أنه السبب الرئيسي في حدوث ذلك بعدم إيجاد الطريقة المناسبة لكسب شرائح طلابه وبث الهدوء في نفوسهم واستشعارهم بثقة جهدهم وإيمانهم بفكرهم العلمي . .؟

استكملت المحطة الأخيرة من اختباراتي في رحلة الماجستير وانتهت بـمادة [ التوجيه الإسلامي للتربية ] ، فلم اشعر برهبة الاختبار والقلق الذي كان يحذوني قبل أيام باختبار مادة أخرى في نفس الرحلة ، وقتها عرفت بأن المربي هو من يزرع الطمأنية والهدوء في نفس الطالب بكلامه وتعامله وبالأسلوب الحيوي النشط ، علمًا بأن المادة التي شعرت فيها بالأمن كان أستاذها الجامعي يعطي الأسئلة المقالية ويستنتج قدرتك الذهنية وأسلوبك الكتابي وثروتك العلمية خلال فصل كامل ، فهذا هو المنهج الشامل لنمو العملية التعليمية ، عكس المادة التي عشت بها القلق والخوف فأستاذها الجامعي يعطي الأسئلة الموضوعية _ وطبيعيا الموضوعية أسهل من المقالية _ لكن هناك أمن وثقة وهنا خوف ورعب ، فما الذي تغير في الحالتين ..؟

تعلمت عمليًّا في رحلة الماجستير أساسيات التربية على الواقع ، وجمال تفعيلها في المؤسسة التربوية ، فشاهدتُ ربط العلم بالعمل وتحقيقه أمام ناظر أعيننا ، وقتها استدركتُ بأنّ المربّي يقع على عاتقه تطبيق التربية ميدانيا في تعامله أثناء البيئة التعليمية ، فهنيئًا للمجتمع ولجـامعة جـدة بهذا المربي الأسطوري الدكتور [ رأفت بن محمد علي الجديبي ] فهو شامخ بعلمه متواضع بخلقه ، بابتسامته تحل المشكلة وبصمته تتجاوز العقبة ، صقل أذهاننا وطور مفاهيمنا ، يعطيك منهجًا حديثًا فيجعلك تدير الحصة التعليمية وهو مشرفًا عليها وموجها لها ، طبق قاعدة [ فكرة المربي عن نفسه هي انعكاس مباشر لفكرة الآخرين عنه ، وأن الفرد يبني علاقاته الاجتماعية في إطار ذلك ] فالمتربي يتأثر بالمربي ويحاول تقليده فيما يقوله ، وهذا ما نطالب في زمان عصرنا الحاضر بالتفاعل المثمر وترك العمل للطالب بحيث يكون في حدود المحتوى التعليمي ..

اكتفيت فخرًا وشرفًا بزملاء الرسالة الـ ١٨ زميًلا ، و على رأسهم الجندي المجهول [ أبي زهرة ] . . فمن أروع ما رأيته إيثارهم و جودتهم العلمية و حسن البناء لديهم في مستقبل الأجيال .. 

< ومضة > . .
ربِّ اشرح صدور أبنائنا لاختباراتهم . . وافتح على قلبهم وقلمهم . . ويسّر حاجاتهم ..
 
مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *