صناعة مرجعية

كثيراً ما أسمع عبارة فلان مؤدلج وشبابنا مختطف، وابدأ بالتَفَكُّر لماذا اُخْتُطِفوا وماهي معايير الثبات و الاستقامة و ماهي لوحتنا الجميلة للآخر ، ما الذي نرغب بتصديره وإشهارُه للغربي و الشرقي من غير العرب…

فالفرنسي يفتخر بالثورة الفرنسية التي شَكَّلَت أوروبا و التصنيفات السياسية المتداولة كاليمين المتطرف و اليسار الثوري و يمين الوسط وخلافها من تصنيفات ، و الأتراك كذلك لا تكاد تجد بيتًا تُركيّاً إلا وبه صورة لأتاتورك حامي عرين العِرق التركي وهازم جحافل أوروبا الغربية ، والأمر ذاته عند الإيطاليين أرباب المافيا و الجريمة المُنَظَّمة في الوقت الراهن فلهم تَهذُّبٌ مُصطَنَع معجونٌ بعقدة نقص للماضي التليد حين التحدث عن عصر النهضة والرسّامين ، وكيف أن أوروبا انشقت عن كهنوت الكنيسة بعد أن اِنْبَجَسَت النهضة في إيطاليا وأربابها الغَنَيُّون عن التعريف ..

أذكر قبل عامين ونيّف كنت مع أسرتي خارج المملكة و تحديداً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا فلها شعبٌ بَسّام و متمسك بثوابته وسلوك أجداده في أدق التفاصيل ، وكنت في نُزُل مع نفرٌ من مُختَلَف دول العالم ولمحت يونانياً يمشي مُتَبَخترًا ويتحدث لسياح يابانيين عن علم المنطق وارسطو وكيف كانت حياة ارسطو وطلابه في اليونان و متى نشأت الألعاب الأولمبية وبكل أمانة استمتعت بالتلصص على حديثه خصوصا أنه لم يكذب بل كل هذه المواضي التي يفخر بها ماهي إلا لإثارة إعجاب يابانية حسناء مُتَحَجِّره، فهذه قصة تبعث في مكامن فؤادي سؤال ، ما نحن وما هي بضاعتنا و لوحتنا الجميلة للرائي فمعلوم أن العربي جُلْ إرثه هو شعر و نثر فنحن أمة شفهية وهذا من خصوصيات العرب لا من نواقصهم كما يزعم المستعلمون ، فالفصاحة والبيان هي إرهاصات لتلقي الوحي وكلام الخَلاَّقُ العليم جل جلاله فقد شَرَّف الحق تبارك في عليائه العرب وكلَّفَهُم في آنٍ واحد بنشر الرسالة ، فالقرآن وعلم التجويد يغلب على ظني أنها وجه العربي ولوحته الجميلة التي يظهرها للغرب ، و والله وتالله لا أنسى والدي رعاه الرحمن وهو يتحدّث مع السائح الياباني يوغي في شتاء إثيوبيا القارص عن ديننا الحنيف وعن حُرمة أكل لحم الخنزير وحرمة شرب الخمر بعدما رأى يوغي خروفً اشتراه والدي لكي نتعشى فجاء متطفلاً وفضول الأطفال في وجهه يقرأه الأُمّي وكانت تجربه رائعه له لأن صديقته اليابانيه كانت متحسسة من منظر الخروف ، فقد اعتادت على أكل لحم الخنزير وسائر اللحوم في بلدهم بإستثناء الخرفان فهم يزعمون أنهم لم يروها في حياتهم إلا معنا ، وبدأ يسأل عن المملكة وشعبها وأكلها فقلت هذا إذاً ما ينبغي لنا المعرفة أكثر عن ديننا والحوار الهادئ مع الغريب أياً كان وإخطاره بآياتنا وما هو مزبور في مطاوي كتاب الله وبطبيعة الحال تحدث معه والدي عن حياته الشخصية و المهنية وعن العسكرية وماضيه المضني في الدفاع الجوي ، وكان يوغي مستمعًا ممتازاً ومهذب كما هو معروف عن اليابانيين ، وكان والدي سفيراً أميناً لدينه وعادات بلاده وأكرم يوغي وكل من في النُزُل من سياح ، أسأل الله ليوغي الهداية ..

و اليوم اسأل .. أرى مدارس تحفيظ القرآن الكريم قَلَّت و الأسوأ أن الأهالي ما عادت أولوية عندهم إدخال الطفل لمدرسة تحفيظ لكي ينحت كلام الله مُخَّه و صِماخُه وبعد ذلك نوراً في قوله وفعله ، فقل لي بالله عليك ماذا سنُقَدِّم للأمم الأخرى التي لديها شيءٌ ترفعه وتنافح عنه ، ما الذي عندك كعربي أصلاً غير هذا فلا المباني و العمران قد صدَّرنا ، ولا أواني خزفية تاريخية نملكها، وكل طفرة عَفِنَه جوفاء تتأثر بها الأجيال الحاليه كالكي بوب الغناء الكوري أراه يخلب باب المراهقين و المراهقات و الشيلات المهايطية وكل مالا يُمَثِّلنا تقريبا ، أين مدارس التحفيظ و التجويد وأين أمثال مركاز الأحبة الثقافي في مكة المكرمة الذي يُذَكِّر العربي بمن هو وقد شَرُفت أنا وزميلي الأستاذ حسن الغامدي بأن نكون ضيوفًا وتلاميذاً لأستاذنا إبراهيم يحيى أبو ليلى القائم على المركاز نستمع إلى لُبِ هويتنا وجوهرها وهو سيرة سيد ولد آدم عليه أفضل الصلاة والسلام إلى يوم الدين ; وهذه وظيفة الاهل قبل المدرسة والمسجد تنشِئة الطفل على اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى حفظ جزء عم وتبارك كنواة لتشكيله وتقديم تسجيله في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم قبل المدرسة التقليدية والتركيز على علم التجويد منذ نعومة الأظفار ، فكلام الله لا يفتخر به في دنياه وحسب بل يدخل معه قبره ويُلْبِسَ أبويهِ تاج الوقار يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ، ليصير جزءً من لحمه ودمه فتتشكل ثوابته وجوهره فلا تَجُرُّه أيُ ريحٍ صرصرٍ عاتية أو موجة سافلة عابرة ، واسأل الله أن يُخَيِّبَ ظَنَّي لكن إذا استمر وضع الناشئة و الفتيان على ماهو عليه فسيخرج جيل كامل من المولد بلا حُمُّص.

 

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “صناعة مرجعية

نفاع بن مهنا بن ماضي الصحفي

نعم ، وفقك الله
تربية الناشىة على مائدة القرآن و العيش في رحاب السنة نجاة للأمة من التكالب على الدنيا و تهافت على التفاهات .
أحسنت و لا فض فوك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *