كنت في ما مضى أتأمل حال بعض الذين ابتلاهم الله بابتلاءات شديدة -من منظوري- من أبتلي في صحته أو من ابتلي بفقد حبيب أو أيًا كانت مصيبته، وأقف متعجبة أمام صبر هؤلاء، كيف لهم أن يكونوا بهذه الصلابة ؟ كيف استطاعوا أن يقاوموا كل تلك الآلام والمعاناة ؟ من أين أتت لهم القدرة على الابتسامة واكمال الحياة بكل تلك القوة والجلادة ؟
فكنت اضع نفسي في موضع أحدهم فأجد نفسي ارتعد خوفًا من عدم قدرتي على الثبات إن أُصبت بما ما أصابهم.
كنت أظن كل تلك الظنون حتى قرأت ما رواه الترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال قلت : يارسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ).
عندها فهمت أن الله لا يبتلي عباده المؤمنين بقواصم ظهر لايتحملونها بل ببلاء يتناسب مع إيمانهم.
ولكن ليس ذلك ما أود أن أذكره فالأغلب يعلم أنه ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وإن غابت هذه الحقيقة عني بعض الشيء.
ولكني أردت أن أبحث يوماً عن السبب الذي يجعل الله يبتلي عبداً يحبه ! أعلم أن لله حكمة ولكن ليطمئن قلبي.
ثم توصلت إلى أن الله يرى من عباده جفافاً في محبتهم له ويرى تعلقهم بنعيم الدنيا الذي هو يرزقهم إياه فيقطع عنهم ذلك النعيم ليهُز كيانهم ويوقظهم من غفلتهم لعلهم ينتبهون إلى حقيقة ان النعمة الهتهم عن المنعم.
من الممكن أن تكون على علم بكل ما ذكرته سابقاً ، ولكن إن كنت تظن أنك تفهم المقصد من البلاء فإن تعاملك مع هذا البلاء هو ما يبرهن حقيقة فهمك له. فالعبد الذي لم يفهم ذلك المغزى العظيم وذلك الود من الله الودود يستغفر الله ويدعوه أن يكشف عنه هذا البلاء طمعاً أن يسترد تلك النعم التي فقدها من غير أن يأبه بعتاب الله له وما ذلك إلا من بلادة تفكيره وقصور نظرته وفقر مشاعره إذ لم ير أن من واجبه أن يشكر الله ويرد الود وداً .
لكن من أنعم عليه بالبصيرة في عز الإبتلاء فقد نجا فذلك العبد الذي أعطاه الله قلباً حياً فإن هذا البلاء يزيل عنه الغشاوة ليبصر المصيبة الحقيقة وهي أنه قصر في حق الله تعالى وانشغل قلبه بالدنيا ، وتعلق بالنعيم وغفل عن المنعم، فجُل ما يفكر به أثناء البلاء هو كيف يسترضي الله تعالى ويبرهن له أنه يبادله المحبة والود، أما مسألة كشف الابتلاء فتصبح قضية ثانوية بالنسبة له، فالعبد قد يعيش مع البلاء ولو ثقُل عليه ذلك ولكن قد لا يطيق العيش لحظة إن فقد معية الله ومحبته ورضاه
كلا العبدين سيرفع عنهم الله الابتلاء ولكن الأول فقير الشعور ذو البصيرة المحدودة سيخرج من هذا البلاء بنفس الحال الذي دخل فيه لم يصلح قلبه ولا عمله مادام يرى أن عودة النعم هيا غايته وطموحه.
واما الآخر فإنه يرى هذا البلاء أعظم نعمة قد أنعمها الله عليه حيث زالت غشاوته واستيقظ قلبه من غفلته فيبرهن لله له بكل السبل على صدق محبته له وتعلقه به.
بقلم: أمجاد الحازمي
مقالات سابقة للكاتب