أتمنى خيمة

تداول النشطاء في قنوات التواصل مقطع لفتاة من مخيمات اللاجئين من سوريا سألها مذيع احدى القنوات ماذا تتمنين ونحن على مشارف العام الجديد ٢٠٢٢ ترى ماذا قالت عن أمنياتها كلمة واحدة كفيلة بأن تهز ضمير العالم الذي يدعي التحضر اذا بقي له ضمير العالم الذي يتشدق بحقوق الحيوان فضلاً عن الإنسان هذا العالم الذي تحكم فيه النفاق والكذب والهلس والدجل والنظريات الفارغة الخالية من كل معانى الإنسانية والكلام المنمق ، قالت الفتاة ذات العشر سنوات (اتمنى خيمة) وتفاجأ المذيع وكأنه كذب أذنيه وكرر ماذا قالت خيمة طبعاً قالت خيمة لأن البرد القارس اقبل وخيمتها اصبحت مهلهلة قد اكلت منها عوامل الطقس وشربت فاصبحت لا تقدر ان ترد برد شتاء يناير وما قبله وما بعده اريد خيمة فليسمع اولئك الذين يتباهون بما لديهم من ضياع وقصور ودور وكماليات فليسمع من يصور حتى فنجان قهوته في احدى المقاهي الباذخة امعاناً في البذخ والثراء وإظهار ما لديه من نعم وكأنه هو الذي جلبها لنفسه ، وحاله كلها تدور حول مبدأ قارون( إنما أوتيته على علم عندي) اسمعوا يامن تعرضون جلساتكم ومسامراتكم وتتباهون بمقتنياتكم وكمالياتكم وحفلاتكم الباذخة التي تهدر فيها نعم الله التي حباها لكم والتي كانت من الأولى ان تحافظوا عليها كي تدوم تلك الحفلات وما يقدم فيها من اطايب الطعام ولذيذ الشراب…

اسمعوا يا سكان هذا الكوكب الذي ساده الظلم والإستبداد والذي اصبح لا يبالي بدموع اليتامى وصرخات الفقراء هذا الكوكب الذي اضحى يعتبر الفقراء عالة عليه ويرى ان منظرهم يقض مضجعه لا حزناً بل استكبارا وتمردا وعنحهية وكبرا وأنه يجب على هؤلاء الفقراء والمعدمين الذين هم سبب شقائهم لا بد أن يزولوا لينعموا ببذخهم وغناهم فلا يشاركهم فيه هؤلاء المعدمين الذين لا يستحقون العيش معهم هذا الكوكب الذي اصبح يُنْظِّر للأغنياء كي يزدادوا غنىً وللفقراء كي يزدادوا فقراً وعوزاً يُنْظِّر للتهريج والنفاق الإجتماعي البغيض ولقد صدق الإم على ابن ابي طالب رضي الله حين قال (إن الله جعل في اموال الأغنياء حق للفقراء فماجاع فقير الإ بتخمة غني) تصوروا أن غاية امنيات هذه الفتاة خيمة وكفى الا يخجل هذا العالم من نفسه حين يسكن في كوكب واحد قوم اصبحوا ينفقون الاموال الطائلة لعمليات التكميم للمعدة من كثرة التخمة وبجوارهم قوم يصيرّون بطونهم صراً من شدة الجوع يا له من تناقض عجيب ومخيف وصدق الله العظيم حيث يقول:-(فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ) الا تُشعِرنا هذه الآية بالرعب أم أننا أصبحنا كعادتنا لا نبالي بل نقول ليست فينا لسنا نحن المعنيون في هذه الآية ترى ما ذنب هذه الطفولة البريئة بصراع السياسيين ما ذنب هذه الأجساد الغضة الندية الصغيرة التي من المفترض أن تعيش حياة الطفولة الجميلة التي يجب أن يعيشها كل طفل في هذا العالم – الذي جانبه الإنصاف والصواب – في اللعب واللهو واحلام الطفولة الرائعة هم لا تعنيهم كل هذه البهرجة والاجتماعات في دهاليز السياسة المحيِّر تقول الفتاة وبكل ما تحمل الطفولة من براءة ونقاء بإبتسامة تخبئ ورائها حزن لا يراه من اغتالوا بسمة الطفولة وضحكتها (خيمة) يا الله كم هذه الكلمة مؤلمة والله إنها أشد إيلاماً من اصوات المدافع وأزيز الرصاص وهدير الطائرات والصواريخ تلك الاصوات التي شردتهم وأسكتت اناشيد الطفولة في مهدها واحرقت لعبهم واغتالت احلامهم الجميلة ….

وكأن هذه الفتاة لا تعلم أن هناك ما هو أفضل من الخيمة لا تعلم أن هناك جدار سميك ينام خلفه الذين شردوها وغيرها نعم ينام أولئك الملأ وفي احضانهم ابنائهم وعائلاتهم وذويهم وكأني بها قد تعودت على خيمتها تلك التي تراها هي غاية كل الأماني والأمنيات والرجاءات وربما ولدت فيها وهي تظن أن هذه الخيمة هي المسكن المرفه الوحيد الذي يسكنه كل بني البشر أي إنصاف هذا بل اية عدالة تلك …

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي
بيك :-

الحَربُ في حَقٍّ لَدَيكَ شَريعَةٌ
وَمِنَ السُمومِ الناقِعاتِ دَواءُ

وَالحَربُ مِن شَرَفِ الشُعوبِ فَإِن بَغَوا فَالمَجدُ مِمّا يَدَّعونَ بَراءُ

وَالحَربُ يَبعَثُها القَوِيُّ تَجَبُّرًا
وَيَنوءُ تَحتَ بَلائِها الضُعَفاءُ

ثم يقول عن الرحمة المهداة ﷺ بأبي هو وأمي -:-

أَنصَفَت أَهلَ الفَقرِ مِن أَهلِ الغِنى
فَالكُلُّ في حَقِّ الحَياةِ سَواءُ

فَلَوَ اَنَّ إِنسانًا تَخَيَّرَ مِلَّةً
ما اختارَ إِلّا دينَكَ الفُقَراءُ

رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وحشرنا معه تحت لواء سيدنا محمد ﷺ.

إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *