بسم الله الرحمن الرحيم
عن أم خالد بنت خالد بن سعيد{ قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي، وعليّ قميص أصفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَنَهْ سَنَهْ». – قال عبدالله: وهي بالحبشة: حسنة – قالت فذهبت ألعب بخاتم النبوة فَزَبَرَنِي أبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعها»، ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم: أبْلِي وأخْلِقِي([1])، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي»، قال عبدالله([2]): فبقي حتى ذُكِر، يعني من بقائها.([3])وفي رواية: قالت فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الأعلام بيده ويقول: «سَنَاه سَنَاه»([4]). وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم «من ترون أنْ نكسو هذه؟ فسكت القوم، قال: ائتوني بأُم خالد، فأُتي بها تُحْمَلُ، فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال: «أبلي وأخلِقي» وكان فيها علم أخضرُ أو أصفرُ، فقال: صلى الله عليه وسلم «يا أُم خالد، هذا سناه» وسناه بالحبشية: حسنٌ([5]).
أي خلق أعظم من هذا ؟ وأي تلطف أرق وأجمل منه ؟ إنَّه خلق نبوي كريم لا يتمالك الإنسان معه إلا أنْ يدرك عظيم رحمته صلى الله عليه وسلم وشفقته، ورقة قلبه، وحلاوة لفظه، وطيب نفسه ولين جانبه فصلوات ربي وسلامه عليه ، يتلطف صلى الله عليه وسلم مع هذه الفتاة الصغيرة مدخلاً السرور عليها ومستميلاً لقلبها ولقلب أبيها {.
وفي الحديث: « الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»([6]) فالصغار ذوو نفوس صافية، يحتاجون إلى الرحمة واللطف والعطف ، فهم يشعرون ويحسون بحسن المعاملة وجميل الأخلاق بحسب مداركهم، ومن تأمل روايات الحديث عرف شعور هذه الصحابية الجليلة وهي تروي هذه الملاطفة والمداعبة منه صلى الله عليه وسلم وهذا التأثير العجيب عليها حتى بعد بلوغها، وكأنَّها أوردت هذه الحادثة بجميع تفاصيلها دليلاً على إدراكها لذلك وتأثرها تأثراً بالغاً، وفي الحديث دليل على الدعابة قولاً وفعلاً، فقد جعلها صلى الله عليه وسلم تلعب في جسده بخاتم النبوة، بل وينهى عن نهرها، وكذلك يكنيها بأم خالد وهي لا زالت صغيرة، ويناديها بتلك الكلمة الحبشية «سنه سنه، أو سناه» لأنَّها كانت ولدت بأرض الحبشة، وفي هذا تأنيس لها ولأبيها.
والموفق منا من زرع خلقا طيبا وأثرا حسنا في حياته مع من حوله ولا سيما قرابته ومجتمعه وسائر المسلمين.
———————————————————————————————————————-
([1]) أبلي وأخلقي: العرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق (فتح الباري/10/345).
([2]) عبد الله: يعني عبداله بن المبارك ~. ينظر عمدة القاري (22/152).
([3]) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به، أو قبّلها أو مازحها، رقم 5993.
([4]) أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة الحبشة، رقم 3874.
([5]) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب الخميصة السوداء، رقم 5823.
([6]) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة، رقم 4941 والترمذي، كتاب البر والصلة باب ما جاء في رحمة الناس، رقم 1924وقال هذا حديث حسن صحيح وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 925 (2/594) .