المقاهي

لطالما كان للمقاهي تأثيراً كبيراً على مثقفي العالم العربي ، فعلى مقاعدها صاغ الأدباء كتبهم و رواياتهم وروج المفكرون نظرياتهم ، ومنها كانت تنطلق رياح التغيير ومظاهرات العصيان بشتى أشكالها ومؤيديها .

فمن مقهى (متاتيا) في القاهرة بدأ جمال الدين الأفغاني ثورته ضد الاستعمار والمطالبة بالحرية والاستقلال ، حيث كان يلتقي بتلاميذه الذين أكملوا المشوار من بعده ، وساروا على منهجه بعدما تم نفيه خارج مصر بإيعاز من الإنجليز ، فكانت ثورة عرابي هي ثمرة جهده ونتاج نواة هو من بذرها.

الكاتب المصري نجيب محفوظ كان مقهى الفيشاوي مقهاه المفضل ، فقد شهد ولادة معظم أعماله الروائية وكان بمثابة ساحة حرة يلتقي فيها بأصدقائه ومحبيه من الكتاب والعامة ، ولقد زار هذا المقهى أنور السادات ومن قبله جمال عبدالناصر والكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس ومعظم أدباء وكتاب مصر وأوروبا .

لم تكن المقاهي في ذلك الوقت مجرد تجمعات لقضاء أوقات الفراغ وتناول المشروبات ، بل تجاوزت ذلك بكثير  لتتميز بنشاط سياسي وفكري مساوٍ لدورها الذي وجدت من أجله ، فاستحالت منابراً إعلامية ومنطلقاً لرسائل تثقيفية لا تضل طريقها إلى قلوب الناس .

يجتمع في المقهى الأديب والمفكر والسياسي والاقتصادي والعامي ، فتتداخل الآراء والأطروحات لتكوّن نسيجاً مترابطاً في محاربة أي آفة قد تنخر في المجتمع.

تقول هدى الزين المقيمة في باريس “المقاهي الأدبية فى باريس هي المكان المفضل الذي يرتاده كبار الأدباء والشعراء والمفكرين والفنانين.

وتعد باريس مدينة المقاهي بلا منازع ، منها خرجت تيارات أدبية وفنية وفكرية واندلعت الانتفاضات والثورات ، ولذلك تميزت بين عواصم العالم كعاصمة للثقافة العالمية” .

وقد برز دور المقاهي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين وبالأخص في أوروبا ، إذ تحولت إلى مؤسسات ثقافية و سياسية و أرستقراطية يجتمع فيها الأدباء والشعراء والسياسيون.

وتعد باريس ، فيينا ، البندقية ، وبودابست من أشهر المدن التي احتضنت أرقى وأفخم المقاهي في العالم .

لقد استرجعت كل هذه الذكريات عندما رأيت فئة من مثقفي ومن هم من أصحاب الرأي والمشورة في قريتنا مجتمعين في مقهى صغير متواضع لم يكتسب جمالاً استراتيجياً بيد أنه اكتسب أهمية كبيرة بتواجدهم فيه ، فأصبح بمثابة برلماناً مصغراً تُناقش فيه أوضاع ومستجدات ومتطلبات المنطقة بعيداً عن جدران وأسوار البيوت و قيودها ، حيث يغلب على الجدِ هزله وتعلو على التكلف البساطة.

وأنا على يقين أن مثل هذه اللقاءات غالباً ما تتمخض عن مصالح كبيرة ومنافع جمة يعم نفعها كافة أقطاب مجتمعنا الصغير .

أدام الله عليكم البن ورائحته وبارك لنا في جمعكم ونفعنا بكم …

 

إبراهيم أحمد الصحفي

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “المقاهي

السحاب

جميل ماكتبت وجميل نقش قلمك
حديث المقاهي
وحوار المقاهي
و نقاش المقاهي
وحكايات المقاهي
صراعات وارهاصات فكرية ربما تتبلور منها قصص وروايات أدبية وربما قرارات ومبادرات . تصب لصالح المجتمع
سؤالي للكاتب هنا
هل أنت من رواد المقاهي ؟؟

ابراهيم ابو سعود

هذه ارهاصات ومقدمات دعائية لأَنِّي أفكر افتح مقهى في الحي

متعب

البساطة تفرز الابداع
مقاهي زمان كانت تتسم بالبساطة فانتجت لنا رواد في الأدب والشعر
مقاهي اليوم مقاهي فخامة وديكورات فخرججت لنا مهايطين

ابراهيم ابو سعود

اضحك الله سنك يا متعب
صدقت والله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *