إلى أهل الرشد

نشرت إحدى الصحف العالمية قبل عدة أيام خبراً مفاده بأن رجل أعمال أوروبي لم يُذكر إسمه أشترى صورة لحبة بطاطس مزروعة بالطريقة العضوية أو ما يطلق عليها “الأطعمة العضوية” (Organic) ، أنتبهوا .. مجرد صورة فوتوغرافية لحبة البطاطس بخلفية سوداء وليست حبة بطاطس حقيقية ، إشتراها بقيمة فاقت التصورات ، حيث كان المبلغ المدفوع مليون يورو ، أكرر ..  مليون يورو ، والصورة ليست قديمة وإنما تم إلتقاطها في عام 2010 ميلادي أي قبل حوالي ست سنوات فقط .

يقول بائع الصورة أن الرجل رأى الصورة لديه وشرب معه كأسان من الخمر ثم قال له : “إني أحب هذه الصورة وأريد أن أشتريها” ، ثم شرب كأسين أخرين وقال “أريد وبإلحاح أن أشتري هذه الصورة” ، فدفع فيها مبلغ 1,000,000 يورو ، أي ما يزيد عن 4,000,000 ريال دفعها في صورة عمرها ٦ سنوات فقط .

وفي نفس التوقيت في مجتمعنا رأينا مقطعاً أشترى فيه رجلاً حبة فقع بستة وعشرين ألف ريال ، وكذلك نقرأ ونرى فيما يُنشر بين فترة وأخرى أن رجلاً أشترى ناقةً بثلاثين مليون ، أو صقرًا بعشرين مليون ، وأخيراً خروف بمليون ريال ، ثم نشاهد ونقرأ عن آخرين يغتسلون بدهن العود ، و أخرين يسكبون العسل على أيدي ضيوفهم ، وآخر يذبح من الخرفان في ليلة زفافه ما يكفي لإطعام قرية بأكملها ثم تؤول إلى مكب النفايات والدخان يتصاعد منها ، وآخر يفتح أكياس الهيل أمام ضيوفه تباهيًا ، وما خفي كان أعظم .

 إن رجعنا إلى الرجل البريطاني فإن الخبر واضح وصريح ، فإنه أشترى صورة البطاطس بعد أن شرب كأسين من الخمر ثم أتبعهما بكأسين آخرين .. فما بال ربعنا .. هل هناك خمر فكري يجري في أدمغتهم أم أن هناك خللاً فكرياً يجري في عروقهم يحتاج إلى تصحيح مسار حياتهم لإيقاف هذا النوع من البذخ والتبذير المبالغ فيه والذي لا ينم عن سلوك يُقتدى به ، ولا أعتقد أنه يصدرعن إنسان ذو حالة عقلية واعية معتبرة شرعاً ..

نعم هناك حرية شخصية ومنها حرية صرف المال في أي وجهة يراها الشخص ، و إنما المأخذ على التباهي بها ونشرها والتنافس فيها إلى الحد التي وصلت إليه ، فمن أبتلي بشيء من هذا أو ذاك فعليه أن يمارس بذخه وتصرفاته في الخفاء دون المجاهرة بها ، حتى يفيء الله عليه بالهداية أويُفني ماله وهو عليه محاسب.

أقول لشيوخ القبائل وشيوخنا الأفاضل وكبراء وعقلاء المجتمع ، إن عليكم مسؤولية كبيرة فيما نرى ونسمع ويمارس كل يوم من هذه المظاهر التي لا داعي لها ، فإن كلمتكم مسموعة وأراؤكم يؤخذ بها ولديكم من الحكمة ما يوقف مثل هذه التصرفات …

وأقول لمثل هؤلاء المتباهين بما يفعلون أتقوا الله في أنفسكم أولاً ، وفيمن حولكم ثانياً وأقصد بهم أبناؤكم وأقرباؤكم وأهليكم ، فإن هناك من يحتاج إلى لقمة واحدة أو قطعة خبز أو ريال واحدًا لإدخال السرورعلى قلبه وهم حولكم كثير وإنما يمنعهم الحياء من إبداء حالهم.

إن المال كما قال الله تعالى (زينة الحياة الدنيا) ،وهذه الزينة إن لم يتم المحافظة عليها والعناية بها وصرفها في الأوجه الحقيقية بما يرضي الله عز وجل ، فإنها قد تزول وتبقى الحسرة لا سمح الله … أليس من الأولى صرف هذه الملايين في مشاريع تنفع المجتمع وتنفع الشباب وتعود بمردود مادي مجزي على من يصرفها إن هي وُجهت إلى المسار الصحيح ..

أعرف أن الكثير ممن لديهم المال بأنه قد جاءهم بطريقة مشروعة وأحياناً مع مشروعيتها فإنها لم تحتاج منهم إلى كثير من الفكر أو العلم وإنما بمجهوداتهم التي أعانهم الله عليها ويسرها لهم ،وساق تلك الأموال إليهم لحكمة هو أرادها ، وإنما بالتأكيد لديهم من العقل ما يكفي بأن يستشيروا أهل العلم والخبرات والمعرفة لتوجيه هذه الأموال إلى أوجه ترضي الله سبحانه وتعالى وتعود بالنفع على عامة المسلمين ،خصوصاً مسلمي الحرمين الشريفين من كافة الأجناس.

إن آلاف الشباب يحتاجون إلى دعمكم ووقفتكم معهم في أمور كثيرة تؤدي إلى رقي المجتمع وتطوره ورفعته .. فانظروا إليهم بعين المحبة والتآخي والتراحم.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه.

عبدالعزيز بن مبروك عتيق الصحفي

رابط الخبر :

 http://timesofindia.indiatimes.com/world/uk/Businessman-buys-photograph-of-a-potato-for-1m/articleshow/50712450.cms

 

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “إلى أهل الرشد

أبوسعود

لقد ناديت لو أسمعت حياً …. لكن …. :(

عبدالعزيز مبروك الصحفي

الأمل موجود … والعقلاء كثيرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *