فلقد وفدت قبل حوالي عشر سنوات إلى هذه المحافظة و سكنت في حي الدف لمدة سنتين تقريباً ، فالإنسان يسير وفق أقدار الله وما يسّره الله له .
ثم قُدّر لي أن أنتقل إلى غران فسكنت أول ما سكنت في – حي اليمانية – في بيتٍ شرِحٍ كانشراح وبشاشة وجه صاحبه ، واسعٌ كسعة صدر مالكه !
ربما يتساءل بعضكم ؛ ما علاقة هذه القصة بذلك الرجل الراحل الأستاذ : محمد بن رومي “أبو شفيق”!
نعم إنه هو صاحب ذلك البيت الآنف الذكر .
قدّم لي بكل رحابة صدر مفاتيح ذلك البيت بأجرٍ رمزي من وجهة نظري .
كان ليناً سهلاً في تعامله معي ، حتى عندما تركت ذلك البيت الواسع بعد حوالي أربع سنوات مضطراً ، وذلك لانتقال إحدى بناتي إلى مدرسةٍ في – مخطط غران – و ليسهل عليها الذهاب صباحاً والإياب ظهراً .
عقب انتقالي من بيت ذلك الرجل الطيب لم تنقطع علاقتي به ، حيث كنا نتجاذب أطراف الحديث عند مروري بقربه وهو يمارس رياضة المشي كعادته اليومية ..
و أكثر ما كنت أقول له : ” أنت مكَّاويّ “! ، لأنه كان يرتدي لباس القدماء والكبار من أهل مكة ( الفوطة ) أثناء المشي ! ،
وكان – رحمه الله – يتضاحك ويقلّد لهجة أهل مكة في حديثه معي ، ثم يذهب كلٌّ منا إلى طريقه حتى طواه الردى عنا و سبقنا إلى ربٍّ غفور حليم رؤوف بعباده ..
يعلم الله أن ” أبا شفيق ” قد أخذ من كنيته حظاً و نصيباً ..
نعم كان سهلاً شفيقاً معي في الإيجار الرمزي ولم يطالبني يوماً من الأيام ، بل كنت أنا المتحكِّم في الإيجار من ميسرةٍ إلى ميسرة!
الناس شهداء الله في أرضه على خلقه ، فقد سبقني الكاتب الأستاذ – إبراهيم بن أحمد الصحفي – في قوله : ” كان من أصحاب الصف الأول في المسجد “..
نعم ونحسبه كذلك والله حسيبه !
عندما حضرت جنازته وجدتها مهيبة ، فرحم الله أبا شفيق وجعل روحه في أعلى عليين ، وأسأل الله أن يرزقه الفردوس الأعلى من الجنة ، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان ، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته إخوةً على سررٍ متقابلين .