الجولة المسائية

يوسف العارف

وجاء العصر.. موعد الجولة المسائية، حيث ازدلف الوفد نحو حافلتهم قاصدين أحد المعالم الجمالية والآثارية والتاريخية المعروفة بـ(قارة ابن عمار) وهو جبل أقرب إلى الهضبة في مواجهة (قارة فارس) التي تحمل لوحة للعلم السعودي في مدخل المدينة الحديثة لـ(ثادق) ويمر بينهما طريق الملك عبدالعزيز الرئيس ويمثل هذا الجبل/ القارة موقعاً استراتيجياً حيث يشرف على البلدة القديمة من الناحية الجنوبية الغربية خارج السور. كما يشرف على المدينة الحديثة والوادي الكبير والمزارع المتفرقة على أطراف الوادي. وهذا المعلم الجمالي أحد جهود بلدية ثادق وشبابها المهندسين السعوديين، حيث يحتوي على العديد من المساحات الخضراء والأشجار المناسبة للبيئة الجبلية والشلال المائي الصناعي الذي يبدأ من أعلى المغارة التي – كانت معتزلاً للشاعر ابن عمار وسميت الهضبة/ الجبل باسمه – ويستمر في الانحدار في مسار متدرج إلى أسفل الجبل في تشكيلات جمالية، وحوله المسطحات الخضراء، والممرات المفتوحة للمشي والتجوال، ومناطق الجلوس والمصليات، ومناطق مخصصة لألعاب الأطفال. 

ويقول مرافقنا–رجل الأعمال (عيسى بن عبدالعزيز العيسى) صاحب النزل الذي استضافنا طوال مدة الإقامة – إنه كان مشاركاً في أعمال البنية التحتية لهذا المشروع الجمالي وأنه كلف ما يقارب المليونين وأربعين ألفاً (2,040,000) واستمر العمل فيه حوالي السنة والنصف!! 

ومع مضيفنا الشاعر عبدالله الدريهم الذي شاركنا هذه الزيارة والصعود إلى أعلاه والوقوف عند (الغار) الكهف الذي اتخذه الشاعر (ابن عمار) معتزلاً له، تعرفنا على القصيدة الألفية التي اشتهر بها هذا الشاعر حيث يحفظها عن ظهر قلب وترنم ببعض أبياتها: 

ألف أولف من كلام نظيف
ودموع عيني فوق خدي ذريف

يا لا يمن في حب ذاك الوليف

دقاق رمش العين سيد الخوندات

الباء بليت بحب خلي على ماش

ولا حصل لي منه ما يبري الجاش

غديت أنا وإياه طاسة ومنقاش

بالوصل كني بالمعني سلامات

وهي قصيدة طويلة حوالي 112 بيتاً على الحروف (الهجائية) حسب النظام (الألفبائي) واختارها المطرب الشعبي الحايلي (سالم الحويل) ليلحنها ويتغنى بها فاشتهرت هذه القصيدة بشكل لافت ومثير وأصبح لها مريدون ومقلدون!! وبالبحث عن هذه المعلومات ومصادرها عرفت أن ابن عمار هو: محمد بن ارشد ابن محمد بن ارشد بن عبدالرحمن بن عمار من أهالي (ثادق) ولد عام 1280هـ = 1860م وتوفى عام 1351هـ = 1932م عن عمر يقارب (السبعين) عاماً.  وعن هذا الشاعر تُحكى الحكايات عن سبب اعتزاله في هذا المكان، وكيف ُسمي باسمه تخليدا له وتذكي ار به، والباحث للاستزادة سيجد العم (Google) أقرب المصادر وآليات البحث السريعة والموثوقة!! إلا أن سماعي لهذه الأبيات من زميلنا ومضيفنا الشاعر عبدالله الدريهم ذكرني بأبيات قالها الوالد حسن العارف رحمه الله على نفس الحروف الهجائية ومنها قوله: 

ألف ألفين أهلاً بك          جميل الوصف ما جابك

صرفنا الوقت بحسابك         وحين أقبلت صفينا

وحرف الباء بشرنا.                    بمقبالك ونورنا

فكم من يوم سافرنا              عسى نلقاك تسلينا

إلى أن يقول: 

وحرف الهاء هب الريح          بإقبال لغض الشيح

وريحك زادني تبريح.               وبك تكمل أمانينا

وحرف الياء يمين أقسم        علي قلبي وما يعصم

قلوب الناس عن موسم           لقاء الولف محبينا   

كما تذكرت قصيدة مماثلة قالها الشاعر عوض الله أبو زيد ومنها قوله: 

ألف ولَّفت المثل من ضميري.  لاني بناسيها ولا لي شويري

إلا الإله المعتدي الكبيري     يا اللهيا مطلوب يا رب الأرباب

الباء بلانا وقتنا والزماني.   يا ما نقاسي في الصفا والبياني

الله عليم ومطلع في المعاني    كم اهل من وقتنا اليوم قد شاب

…. إلخ. 

وهاهي الشمس تؤذن بالمغيب ونحن على هامة (قارة ابن عمار)، وتحت الشلال المنبعث من أعلى المغارة وأمامنا مشاهد الجمال الأخاذ والمدينة الحالمة التي بدأت أنوارها وأضواؤها تتنفس، وأصوات الطيور والعصافير وهي آيبة لأعشاشها بعد رحلة يوم حافل بالعمل والإنجاز، واختلاطها بأصوات الأطفال من البنين والبنات المتنزهين في هذا المكان الأجمل.. والرفاق الأدباء في كل منحدر ومرتفع.. وفي كل زاوية من المنتزه يدعون لمضيفينا ويشكرون لهم هذه اللفتة الجميلة لزيارة هذا الموقع التراثي الحديث!! 

وها أقبل المغرب وصوت المؤذنين في أعلى المنارات القريبة من الموقع ترفع الآذان (حي على الصلاة.. حي على الفلاح) فنتجمع في إحدى المصليات في سفح (القارة….) لنصلي المغرب والعشاء جمعا وقصراً والحمد لله رب العالمين. 

وما هي إلا استراحة قصيرة حتى تنادينا إلى الحافلة لننتقل إلى دار الوجيه الأستاذ حمد بن محمد الدريهم أحد أعيان محافظة (ثادق) للسلام عليه وقضاء بعض الوقت في مزرعته العامرة فوجدنا الترحيب، واللطف في الحديث، والفرح بهذه الزيارة والعتب على أن معدي البرنامج لم يعطوهم الوقت الأكبر للاستضافة والحفاوة التي تليق بوفد الأدب والثقافة. 

ودار الحديث والنقاش وجاء ذكر أحد آل الدريهم، (ولعله جد مضيفنا الأستاذ حمد واسمه سليمان الدريهم)، الذي اشتهر بحفر الآبار وبنائها في منطقة نجد ودوره الحيوي في هذا المجال ونخوته وشهامته، في قصة طريفة شفهية ولم تدون أو توثق – حتى الآن – فانبرى الأستاذ الدكتور عبدالله الحيدري مستشعراً مسؤوليته الأدبية في 

توثيق مثل هذه المبادرات وطالباً لآل دريهم تزويده بالوثائق والمعلومات التي تعينه على الوفاء بهذا الالتزام… وإنا لمنتظرون!! 

ثم حان وقت الشعر واستأذنت لإلقاء قصيدتي التي ولدت وأنا في الطريق بين الرياض وثادق واكتملت وأنا في (البير) عصر ومساء الثلاثاء 1443/7/21هـ وهي كما يلي: 

ويا أهل (ثادق) أهل المكارم 

أهل المروءة والمكرمات

أتينا إليكم صباحاً ندياً

وأنتم أولو الفضل والمبهجات

سلام على (البير) أهل كرامٌ 

و(رغبة) و(الحسي) ذو الملهمات

وأما (رويغب) فيها الندى

وفيها الظلال تُرى وارفات

ولا أنسى وادياً جرى سيله

غدوقاً سكوباً من الهالات

(عبيثرة) فاح عطراً شذياً

وأسرفن في حبه الغانيات

فياليت لي سكناً حوله

أشتّي به كلما العمر فات

وفي (الفرات) رأيت الندى

تخلق مذ اعصر خاليات

يعاقب شمس الضحى نوره

وينزاح للعصر القادمات

سلام على (ثادق) المكرمات

سلام من (الآن) حتى (الممات) 

ولما وصلت إلى البيت (السابع): 

فياليت لي سكناً حوله

أشتّي به كلما العمر فات 

علق أحد الحاضرين تقصد بيتاً أو زوجة؟! فقلت له كلاهما!! 

وبعيد العشاء امتطينا حافلتنا التي أقلتنا إلى مزرعة الدكتور حمد بن دباس بن  حمد السويلم (رئيس المجلس البلدي بثادق سابقاً) الذي أكرمنا بعشاء فاخر وحديث ماتع عن الأدب والثقافة والتربية والرياضة. 

كانت أمسية ثرية ومبهجة في نفس الآن، تحدث فيها كل من الدكتور محمد الربيع والدكتور حمد الدخيل والدكتور مسعد العطوي والدكتور حمد السويلم (رئيس نادي القصيم الأدبي) والدكتور ظافر العمري والدكتور عبدالله الحيدري والأستاذ والمؤرخ عبدالرحمن الحيدر، واختتمها مضيفنا الدكتور حمد السويلم بكلماته الترحيبية والتعريفية بمحافظة ثادق ورجالاتها ومسيرتها ضمن الأقاليم السعودية تنموياً وحضارياً. كما تحدث الأستاذ عبدالرحمن السويلم المسؤول عن نادي المحمل الرياضي بثادق الذي يخوض هذه الأيام المنافسات الرياضية لكرة القدم ليتأهل إلى الصعود للدرجة الثانية، فدعونا له بالتوفيق والوصول إلى ما يريد!! 

كان اللقاء ثرياً وماتعاً وكان مضيفنا الدكتور حمد السويلم مريحاً وجاذباً فهو شخصية حيَّية خلوقة، وعرفت عنه مؤخراً أنه خبير في مجال الإدارة والقيادة التربوية وله كتاب تربوي بعنوان: إدارة التغيير التربوي في المدرسة، وهو رسالة الدكتواره التي طبعها ونشرها عام 1440هـ/2019م، وأنه ناشط اجتماعي وله جهود خيرية وإسهامات مبرورة لخدمة أسرته وأهالي محافظته، ومنها أنه تبرع بمقر للغرفة التجارية لمدة عشر سنوات مع مائها وكهربائها!! هذا عدا إسهاماته الخيرية والتطوعية المذكورة والمشكورة. أكثر الله من أمثاله: [هذه المعلومات من المواقع الإلكترونية Google وTwitter وسواهما]. وإليه هذه التحية الشعرية: 

لك الحسنى (أبو رائد) وإنا

لكل جهدكم حباً أتينا

سمعنا عنكم فضلاً وجوداً

وأعمالاً تسر العارفينا

فأنتم أهل بر أهل فضل

وأنتم للسماحة واردينا

تشرفنا بزوركم وشفنا

سمو النفس والخلق الرزين

محياكم يفيض سناً ونوراً

ويقولكم يسر السامعينا

وقد حضر هذه الأمسية الماتعة جمع من آل السويلم وشخصيات اجتماعية واعتبارية من أهل ثادق وما حولها وكلهم يرحبون ويهللون ويقدمون الدعوات لزيارات مماثلة فجزاهم الله خير الجزاء. 

وها قد انتصف المساء.. وحل وقت الهجوع والنوم والاستراحة فغداً الجمعة وفيه برنامج حافل وسفر حاصل كخاتمة مباركة لهذا الجمع المبارك!! 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *