“عالم العمل يتشوه” للبعض، و”يتحسن” للآخر ، لكنه في كل الأحوال يتغير بقوة، خاصة مع النمو السريع في السنوات الأخيرة لعدد الأشخاص العاملين عن بعد أو من المنزل.
وحسبما جاء في تقرير لصحيفة الاقتصادية أكثر من ربع السويسريين “28 في المائة” من النشيطين في سن العمل لديهم عمل يمارسونه بانتظام من منازلهم خلال نصف يوم عمل على الأقل يومياً، أو من مواقع العمل المشتركة حيث يعمل الناس معا أو كل على حدة، ولكن ليس لنفس المؤسسة.
وأوضح ميشيل جرامب، كبير الاقتصاديين في ديلويت، أن الذهاب كل يوم إلى المكتب، وامتلاك مركز عمل تقليدي ثابت في مكان معين، إنما هو مفاهيم أخذت تفقد أهميتها يوماً بعد يوم، مضيفاً أن “نصف الـ 4.9 مليون شخص النشيطين في سن العمل “من 16 إلى 65 سنة” في سويسرا يعملون الآن بطريقة متحركة، أو من منازلهم، أو من مواقع العمل المشترك”.
ومواقع العمل المشتركة، هي أماكن توفرها بعض الشركات للعمل الجماعي سواء في مجال التقنية، والمحاسبات، والمجالات الفنية، والمبادرات الشخصية، ويعمل كثير من الأشخاص في هذه المواقع، إما رغبةً في توفير مصاريف فتح مكتب، أو أنهم لم ينتهوا بعد من تجهيز مقار شركاتهم، أو أنهم يريدون إنجاز مهمة صغيرة أو طارئة لا تستحق الذهاب إلى مقر العمل البعيد، أو من يريد عقد اجتماع مع بعض العملاء في منطقة قريبة من العملاء، أو أن مقر عمله الرسمي غير مرتبط بالشبكة العنكبوتية، أو من يريد أن يوفر وقته ووقت عملائه في المواصلات… وغيرها.
ووفقا لدراسة أجرتها شركة “ديلويت”، فإن مواقع العمل المشتركة أصبحت أكثر جذباً، وتتجه هي الأخرى نحو مزيد من الاتساع كبديل عن المكاتب التقليدية، ففي عام 2014، كان هناك 30 موقعاً للعمل المشترك في سويسرا، واليوم تجاوز عددها 50 ، ويُتوقع أن يواصل العدد ارتفاعه بعد أن أعلنت 42 في المائة منها نيتها توسيع نشاطها.
وتقول “ديلويت”، المختصة بالدراسات الإدارية والاقتصادية، “إن مواقع العمل المرنة توفر بديلاً للعمل من المنزل، وإذا كانت تفيد بالدرجة الأساس العاملين لحسابهم الخاص، فهي تفيد الموظفين أيضا، إذ تتيح لهم فرصة ممارسة أكثر من نشاط اقتصادي مربح واحد، وهي مفيدة أيضاً لأصحاب العمل، الذي يمنح أجوراً أدنى، ويقلص مصاريف شركته “مصاريف الماء والكهرباء والكراسي والمناضد… وغيرها” ويحصل على نتائج مالية مماثلة”.
وتضيف “ديلويت”، أن “هذه المواقع تكتسب جاذبية أكثر، وأنها حسنت من إنتاجية الموظفين، ولا سيما من خلال الربط الشبكي لهؤلاء العاملين مع أشخاص من خارج الشركة”، مشيرة إلى أنه بفضل ثورة تقنية المعلومات والاتصالات، فقد أصبح العمل المستقل أكثر شيوعاً.
ويعني اقتصاد المشاركة توجه مزيد من الناس نحو تأسيس الشركات الصغيرة والمتناهية الصغر، و25 في المائة من سكان سويسرا في سن العمل لديهم وظيفة مؤقتة، أو تكميلية، أو تستند إلى أساس مشروع خاص محدد، وتوقعت الدراسة أن يحذو ثلث الـ 75 في المائة المتبقية حذو الـ 25 في المائة، لتصل النسبة في آخر الأمر إلى 50 في المائة.
ولكن هل تقنيات المعلومات والاتصالات الحديثة التي تقف وراء هذه التغيرات في أنماط العمل وقيمه ستتمكن أكثر فأكثر من زيادة الخلل في علاقتنا بالعمل؟ سؤال تطرحه ديلوت، وتجيب أنه “في عام 1928، فكَّر، جون مينارد كينز، في هذا الأمر فعلا، وتوقع هذا المختص الاقتصادي الشهير أن الأدوات والتقنيات الجديدة ستمكننا في عام 2028 من العمل بالكاد 15 ساعة في الأسبوع “ما يعادل أقل من يومي عمل في الأسبوع في الوقت الراهن”، ونحقق نتائج مالية أعلى”.
وتؤكد الدراسة، أننا لسنا بعيدين عن هذا التوقع، خاصة أن مزيدا من الشركات و”جوجل” على رأسها لا تزال تدعو إلى إعادة النظر بجدية في جدوى نموذج العمل لمدة خمسة أيام في الأسبوع الذي تم وضعه قيد التنفيذ في نهاية القرن التاسع عشر، وتستند وجهة النظر هذه إلى أنَّ ثورة تقنية المعلومات والاتصالات كفيلة بتسهيل الأمر على الإنسان لتحقيق طفرات كبيرة في العلم والمعرفة من خلال استغلالها الأمثل.
وتقول الدراسة “إن تغيير أنماط العمل، والتركيز على العمل عن بعد أو في مواقع العمل المشتركة له فوائد كثيرة للمجتمع ككل”، ووفقا للمكتب الاتحادي للإحصاء، فقد ازداد عدد مستخدمي وسائل المواصلات باتجاه العمل أو منه، من 2.4 مليون شخص يومياً في بداية الألفية الجديدة إلى 3.2 مليون في عام 2013، وهذا يعني مزيدا من استهلاك الطاقة والوقود.
كما أن الوقت المُكرَّس لرحلتي الذهاب والإياب لأغراض العمل قد ازداد أيضاً، ففي عام 2013، أمضى العامل نصف ساعة في المتوسط للوصول إلى مكتبه، مقابل 23 دقيقة في عام 2000.
وعن الدور الذي يلعبه التنقل في استهلاك الطرق والبنية التحتية للسكك الحديدية، تشير الدراسة إلى أنه يُمكن لسويسرا إنقاذ 140 مليون فرنك “147 مليون دولار” كل سنة إذا اعتمدت أكثر فأكثر نماذج عمل أكثر مرونة.