“كان هنا بضعة إحساس وشيءٌ من وجعٍ سابق ” بين أروقة الماضي بقيت ذكرى …
شاء لها القدر البقاء دهراً سرمدياً ، بقيت معلقة بين جسر الزمن حالت بينه و بين الحاضر ذكرى مولعة محرقة معتقلة داخل قفصه الصدري ..
تأجلت دعوتها كثيراً حتى أصدر حكمها بين القبضان زمناً مؤبداً ، من لم يستطع عبور حاضره فحتماً بقي من الماضي ما يحن له و يعجز عن مواصلة دربه ، قدره أن يبقى متخبطاً بها ..
كانت سبب ألمه و ظلت ذكراها سداً يواصل رحله أوجاعه ..
لم يستطع أن يقتلع قلبه و يخلعه ليبقى درنه ماضياً و يكمل حياته بلباس أنيق على طراز الموضة ..
لم يستطع أن يدفن بئراً و يردمها ويشيد فوقها بيته الجديد ..
لم يستطع أن يمزق هويته و يستخرج بدل فاقد لأنه لم يكن لها بديل !
لم يستطع أن يحرق كل مايخصها و يدفن رمادها لأن ناره كانت برداً و سلاماً لم تضرها !
لم ينس و اعترف بعجزه راضياً ببحر ذكراها يغرقه أكثر فأكثر !
ذكرى ، حضورها يعيده للزمن الجريح الماضي و تدفعه بعجلتها للمستقبل الوردي القادم !
تهديه بالوناً أحمراً بسهام حديدية !
ذكرى كالسهل الممتنع لاينفك عنها ولاتأبى عنه الفكاك ..
كُتب قدرهما معاً وتشابكت طرقات حياتهما بمنحى ٣٦٠ درجة دون زوايا !
كإنحدارات هندسية إسلامية عتيقة ! ينتمي لها وتنتمي له رغم الصعاب كالأضداد ، كأقطاب السالب الموجب ، كزوجين من الهيدروجين يعانقان ذرة أوكسجين !
يُقال أن الوقت يمحي كل شيء فما بالها لمْ تُمح بعد , كلما أغمض جفنيه تضيء بسحرها الظلام من حوله …
مرت أعوامٌ عديدة من عمره وبضعة أشهر كان فيها كجذع النخل الخاوي ! …
هيه هيه هيه يا وهج وجداني المشتعل ! أما آن لك أن تخمد ، أما آن لك تنطفيء سأرجوگك شيئاً من فضلك..
دثريني بلحاف من نسيان .. احقني أوردتي داء الزهايمر .. زمليني واشددي عليّ الغطاء ، أعيدي لي بياض الصفحات و أغلقي النافذة ، فالصباحات لم تعد تلهمني !
ضعي هاتفي صامتاً بل أغلقيه نهائياً فزمن المحادثات انتهى ! افصلي حروف اسمها عن كريات دمّي ، و أوقفي هذا الذي يضخ بقوة يسار صدري فنداءاته باتت ترتد للفراغ ..
ضعي قطناً أبيضاً لتصمّي آذاني عن الضجيج باسمها .. مزقي كل الرسائل المكتوبة أسفل مكتبي أو احرقيها على نار هادئة ، دعي رمادها يتطاير و يختفي !
ارمي زجاجات العطر أو تصدقي بها ع فتاة يتيمة تتجهز لعرسها ! كفنيني و صلي عليّ بالصف الأول و أكثري من الدعاء فحقاً لم أعد أريد البقاء ..
و أخيراً أخرجي صورتي من إطارها الذهبي المزخرف وضعي بدلا منها ” كان هنا بضعة إحساس وشيءٌ من وجعٍ سابق “..
حلم رمادي !