أتصور بأن طبيعة العلاقات والتعاملات يمكن أن ينظر إليها وفق الآتي :
١- البراءة.
٢- الشك.
٣- اليقين.
والبراءة هي الأصل العام لمختلف العلاقات والتعاملات لأن الشك لو كان هو الأصل لفسد معاش الناس في دينهم ودنياهم.
ومتى يكون الشك إذن .. يكون حينما يكون هناك عداوات او خيانات او اجماع على أن كيانا او شخصا استحل الحرمات او ناصب الدين العداء او حمل راية الفرقة لوحدة الوطن.
ومتى يكون اليقين إذن؟ .. اليقين أقوى من البراءة من حيث أن الشخص أو الكيان متأصل فيه الإحسان .. أو كان قريبا او صديقا تعرف مداخله ومخارجه؛ بحيث أن أوجه الشك منه او لديه في الأصل معدومة؛ نظرا لقوة علاقتك به أو أنه عُرف بسمعته الطيبة وآثاره الحسنة.
فهنا درجة اليقين أقوى من البراءة من جهة .. وطاردة للشك من جهة أخرى.
بل إن من حق من اتصف بصفة اليقين في العلاقات والتعاملات أن نثني عليه في المجالس والمناسبات لأن هذا من حق ( أصحاب اليقين ) علينا سواء أكانوا شخصيات او كيانات معتبرة.
وهنا مشكلة (وعي) وهي أن العلاقات والتعاملات قد يسيء لها أو إليها شخص او ثلة من الأشخاص .. ثم يشيع بين الناس كلام يسيؤون فيه لمن ينتمي إليه ذلك الشخص ( سواء أسرة او مدينة او مؤسسة او جامعة) فيجرحون بالعموم وليس بالتفصيل ثم يجنون على المؤسسة او المجتمع او حتى الوطن كله وهم يشعرون أو لا يشعرون.
وذلك خلل فكري يحتاج إلى أن نكون دقيقين في تشخيص وفرز الأسباب له .. حتى لا ننساق مع العاطفة فنثير الفاحش من الكلام الذي ربما تسبب في تصدعات أكبر من الملامات التي أشعناها .. !!
( وأكبر الخلل ان نكون بوابات نقد لأعدائنا أو ان يؤتى ديننا من قبلنا) !!
النصح دائما حق .. ولكن الأهم منه أن نضبط وننضبط في (حق النصح) ..!! بحيث لا نتعدى حدود النصيحة لتنقلب إلى فضيحة تسيء إلى الجميع وربما سببت لوما للكل دون استثناء.
وما أجمل مدارسة ( حادثة الإفك) ومعانيها التربوية في سورة النور حيث التأسيس لكل ما تم ذكره أعلاه:
فآية (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) تؤصل فينا ( ظن الخير) لا العكس.
ثم فيها توجيه رباني على عدم إشاعة ما يقلق البنية الاجتماعية ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ) والفاحشة هنا هي كل قول الفحش أيا كان نوعه أو لغته أو وسيلته الذي يؤثر على التماسك الاجتماعي واستقرار أمنه وحفظ أعراض الموطنين.
ولخطر ( الإشاعات) توعد ربنا ( المشائين بين الناس بالإشاعات) بعذابين _ كما في الآية _ لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.
الخلل في البنية الثقافية الاجتماعية أن يكون هناك مسارعة وملاحقة وتنافس في تلقي الإشاعات .. في الوقت الذي يقصر هذا (اللهث) في متابعة البراءات وحلول المشكلات .. وحسن التلقي والانصات ..!!
وهذا الملمح المهم تؤكده آية ( إذ تلقونه بألسنتكم ) حيث يتناقل البعض من لسان للسان (وهل يسمع الإنسان بلسانه !!) دون إدراك وتأمل وتفكير لأبعاد هذا التناقل من أثر على مختلف مكونات المجتمع.
الختام :
من أهم ما نحتاج إليه في عصرنا أن نحاكم (ونحوكم) تصوراتنا وأن نعي دوما وندرك أبعاد ما نقول ونفعل .. بل ونفكر في سلامة المجتمع وحفظ سمعته ومكانته وكل ما يخدش أمنه وتنميته.
ونحن كلنا دون استثناء يجب أن نكون أوفياء لديننا ووطننا
ففي الدين عزنا ووحدتنا .. وفي الوطن أمننا وسلامتنا.
أ.د خالد بن عبدالعزيز الشريدة
مقالات سابقة للكاتب