التسامح

لا يختلف اثنان في أهمية التسامح من حيث الحاجة إليه والضرورة الملحة للمجتمعات المتوقفة عليه ودوره في نشر السلام والسلم وتجنيبها العنف والاقتتال.

إن التسامح والتركيز عليه لا يعد من فضول القول ولا ترفا ثقافيا بل هو حاجة ملحة لا سيما في هذا العصر؛ لأن باب التلاقي بين الشعوب قد فتح على مصراعيه ولم يعد بين الانسان والانسان حاجب بل أصبح هذا العالم الشاسع مع وجود أدوات التواصل قرية واحدة بل هو مجموع بين يدي المرء في شاشة هاتفه ويعني ذلك كله انه لا مفر من التعايش السليم ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بترسيخ ثقافة التسامح.

تلتزم الأمم المتحدة بتدعيم التسامح من خلال تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب، وتكمن ضرورة هذا الالتزام في جوهر ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كذلك، وهي أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى خصوصا في هذه الحقبة التي تشهد زيادة التطرف العنيف واتساع الصراعات التي تتجاهل الحياة البشرية.

وفي عام 1996، دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، من خلال أنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور (القرار 51/95، المؤرخ 12 كانون الأول/ ديسمبر). وجاء ذلك الإجراء في أعقاب إعلان الجمعية العامة في 1993 سنة 1995 بوصفها سنة الأمم المتحدة للتسامح. وفي المؤتمر العام ليونسكو في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995، اعتمدت الدول الأعضاء إعلان المبادئ بشأن بالتسامح وخطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح.

فالتسامح من الاخلاق الجوهرية والقيم المحورية التي ما فتئت تدل على ارتباط المرء بالمكارم واتصاله بالشيم والفضائل فمن اختار التسامح فقد أقام مكارم الأخلاق والتسامح هو القانون الذي يكبح كل مناوأة ومنازعة فالناس مجبولون على جلب مصالحهم ودفع ما يضرهم.

التسامح في أهميته البالغة هو الضمان الأساس لاستقرار المجتمعات وتنميتها، فالقانون مرتبط ارتباطا وثيقا بالتسامح، وإن الضابط القانوني للتسامح يستدعي أن تكون جميع الأقوال والأفعال لا تضر بالمصالح الوطنية ولا تخالف القوانين والأنظمة والتشريعات ولا تعتدي على حرية الآخرين الذين هم جزء لا يتجزأ من الوطن.

فالدين والوطن لا يفترقان في هذا الحق الذي لا يمكن أن يكون محلا للتلاعب أو التنازل أو الجدل فكما أن الدين مقدس فمصلحة الوطن ومستقبله فوق كل اعتبار أيضا.

فالخروج عن الثوابت وتهديد اللحمة الوطنية والسعي في التشويش على الوطن وإلحاق الضر والأذى به بحجة التسامح سبب في خراب الأوطان والخروج عن النظام العام للمجتمع قد يصل البغي الذي رتبت علية الشريعة أشد العقوبات يقول الله تعالى (فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).. والتسامح يستوجب هنا الوقوف في وجه الخارجين عن القوانين الباغين على المجتمع وإرجاعهم إلى صفه والمجتمع المتسامح دأبه أن يحجز الآخرين عن الوقوع في البغي والظلم وينصرهم ويعينهم على الإنابة والعودة إليه.

إن التواصل الحضاري من الأسس المتينة التي تعزز القيم الإنسانية وترسخ التعايش بين الشعوب المختلفة وترسي مبادئ التسامح وتعمل على ديمومتها وصيرورتها لأن التواصل الحضاري بين الشعوب مبني على الإيمان بالاختلاف ويتجاوز هذا الإيمان إلى توظيف الاختلاف واستثماره في نفع البشرية.

إن التعامل بالتسامح بين الإنسان وأخيه الإنسان يسمو بالإنسانية إلى المقاصد الجليلة ويشد نطاق رابطة الرحم الإنسانية بينهم فمتى ما عمت روح التسامح بين الناس سهل عليهم أن يتحملوا تبعات بعضهم وتطوقت أعناقهم للقيام بأمانة الصلات وتعهدها ومتى ما قدحت الإنسانية زناد هذه القيمة فإنها ستعود على أصل رابطة وحدة الناس بالحفظ والتذكير.

إن علاقة التسامح بالإنسانية متعانقة متواشجة وتلك حقيقة لا تخالجها ريبة إذ التسامح ضرورة إنسانية قبل أن يكون قيمة إسلامية وهو أصل فطري في طبيعة سائر البشر.

ويرى (فوليتر) أن التسامح نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية، إننا جميعاً من نتاج الضعف، كلنا هشّون وميالون للخطأ، ولذا دعونا نسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل.

فالتسامح من وجهة نظري هو سلام النفس أولا فعلينا أن نتسامح مع أنفسنا لكى نبدأ التسامح مع الآخرين بنفس صافية، وهذا يعنى أن ننسى من قاموس حياتنا معنى الكراهية وأن نفتح قلوبنا وأعيننا على مزايا الاخرين, وأن نشعر بالتعاطف والرحمة معهم.

إن تقدم المجتمع يحدث عن طريق تحري أفراده للحقيقة، ويستتب نظامه بالتزامه بالقانون الذي يحمي حقوق كل من البنات والنساء، الأولاد والرجال. فعلينا تهيئة المناخ المناسب للأفراد على اختلاف معتقداتهم ليحيوا جنباً إلى جنب حياة كريمة ذات هدف ومعنى، خالية من العنف والتمييز والتمسك باتفاق عالمي لحقوق الإنسان وخلق بيئة تتيح للعقل البشري حرية المعرفة والاعتقاد.

وفي النهاية يجب اتخاذ كل التدابير الضرورية لنشر التسامح في مجتمعاتنا؛ لأن التسامح يمثل السلام والتقدم الاقتصادي والاجتماعي لكل الشعوب، ولأن التسامح هو الاحترام والقبول للثقافات والأديان المختلفة واحترام حرية الفكر والانفتاح. ويعتبر التسامح أول طريق لإحلال السلام بدلا من الحروب، فالاحتفال باليوم العالمي للتسامح واجب على كل فرد في المجتمع حيث أن التسامح مسؤولية تشكل قوة حقوق الإنسان والديموقراطية في المجتمعات.

 

 

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *