هناك إيحاءات وسلوكيات ورموز وقرارات ودلالات تعكس أن الواقع الإداري متشخصن بحضور الرئيس بكلماته ..
انتم تعملون معي .. رؤيتي كذا .. اطلب منكم كذا .. غدا يكون الأمر كذا .. لا شوفكم كذا .. ارفعوا كذا واخفضوا كذاك .. وإلخ من الكلمات الموحية ب لغة ( الأنا ) ..!!
كيف يدير الجلسة .. كيف يناقش .. كيف يبدأ وكيف يختم .. كيف يحفز وكيف يلوم ( اسعدتني ) لا حظ ان السعادة يربطها بشخصه وليس بانتعاش المؤسسة ( أتعبتموني) لا حظ ربط ( التعب) بشخصيته .. والأصل أن الخلل يضر المؤسسة قبل اي شيء .. هكذا تصرفات وإيحاءات تجعل من يعمل يتابع إسعاد صاحب السعادة .. وتختفي منه مقاصد العبادة !!
التعبير عن الشكر والسعادة امر مطلوب ومحفز دون شك .. لكن الخلل ان يكون القصد شخصنة السعادة لا مأسستها .. بلغة الجميع لا بلغة الأنا.
العمل المؤسساتي في أصله ربط الإنجازات برؤية المؤسسات وبأهدافها وبتطلعاتها وبمجمل فريق العمل فيها .. لأن النجاح قد يكون بدأ من أصغر موظف في المؤسسة؛ وربما أكبرهم لم يكن ليعلم بالإنجاز إلا بعد أن تسلم سعادته هو ( درع التكريم) !!
أعجبني ذات يوم في مناسبة دعي فيها مسؤول المؤسسة لاستلام ( تاج التكريم ) فنادى بصوته لشخص من الفريق الذي يعمل في الميدان وقال له ( قم تفضل واستلم الدرع) فقام بكل فخر متواضع ليقف على المنصة لاستلام التكريم وحرارة التصفيق تعلوا القاعة لأمرين للموقف النبيل من هذا ( الرئيس الكفء) ولهذا الشخص لأنه فعلا كان خلف النجاح.
ننسى نحن في غمرة الفرح من صنع هذا الإنجاز .. لأننا نهيم بالحضور وننسى من أحضر لنا فعلا هذا ( التكريم ) !!
ولا يمكن أن ننفي أن نجاح المؤسسة من نجاح شخصياتها التي خلفها .. فالنجاح يتضمن مفهوم الشراكة بين الإنسان والكيان .. والمكان.
البعد عن الشخصنة الإدارية يعني الحديث دوما عن جماعية العمل .. يعني الحديث عن تطلعات المؤسسة وليس ( تطلعاتي) يعني التأكيد على قيم المؤسسة وليس ( قيمي الخاصة) يجسد .. أن الذي يوظف الناس هو النظام وليس ( أنا ) التحفيز مرتبط بمؤشرات وليس برغبتي ( أنا ) و التأنيب مرتبط ( بسلبيات .. بتأخر ) وليس بانطباعي ( أنا) ..!!
الشخصنة تعني أن تكون المؤسسة جزءً مني ( أصرفها حيث أشاء) .. والمأسسة أن أدور أنا مع رسالة المؤسسة وأن أكون جزء منها.
وفي إيحاءات الكلام والعبارات والسلوكيات وشواهد الميدان الذي أنتم اعلم به على الشخصنة أو المأسسة.
ومن ابرز مظاهر الشخصنة أن تتدهور المؤسسة بغياب من يديرها لأنه جعل من شخصة كل شيء لها .. !!
نجني على روح العمل حينما نربط الناس بشخصياتنا لا بقيم حضارتنا وقيمة أعمالنا.
حتى الجودة والخطأ تكون مربوطة بانطباعات شخصية لا بمؤشرات علمية وعملية.
هذه الشخصنة تمتد لتصل لأستاذ المادة في القاعة وكيف يربط طلبته بالقيم لا بشخصه؛ وتمتد لمختلف أعمالنا في الأسرة وفي البيت وفي الحي وفي اللجان والفعاليات وفي أدوارنا واعمالنا وتعاملاتنا في اي زمان او مكان.
وحينما تكون الإدارة لدينا ( رسالة ) قبل ان تكون وظيفة او مهمة او إدارة فإنما نحقق معنى العبودية في العمل نبتغي بذلك أجر الخالق قبل اي مخلوق.
كل الحب والتقدير للذين يشعروننا بالعمل معهم لا لهم !! كما الحب والاحترام للذين يشعرون الآخرين بأنهم يعملون لخدمة المؤسسة لا لأن تخدمهم المؤسسة.
(وشتان بين إدارة الكرسي .. وكرسي الإدارة ) ولكم أن تستنتجوا من هذه العبارة وتفرقوا بين مأسسة الإدارة وشخصنتنها !!
وأخيرا .. استدامة النجاح أن نربط الإنسان بقيم الأشياء لا بشخصياتها لأن القيم باقية والشخصيات تزول.
أ.د خالد بن عبدالعزيز الشريدة
مقالات سابقة للكاتب