إن هناك علاقة وطيدة بين الإدارة والشَّريعة الإسلامية ، فقد أشار القرآن الكريم إلى لفظة الإدارة في قوله تعالى:﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 282] .
وفي السنة النّبوية إشارة أخرى في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أنّ النّبي ﷺ قال : (لا تقوم الساعة حتى يدير الرجل أمر خمسين امرأة) رواه الطبراني.
ونجد أن أدوات الإدارة الرئيسية والتي تقوم عليها أربعة وهي:
١- التخطيط.
٢- التنظيم.
٣- التوجيه.
٤- الرقابة.
فضلًا عن بعض النظم والأساليب الفرعية الأخرى المستمدة من القرآن الكريم ، ومن سنة نبينا القائد الإداري الحكيم ، عليه أفضل الصّلاة وأزكى التسليم ، ولنستعرض أمثلة على هذه الأدوات الأربعة (والمسماة بوظائف العملية الإدارية):
١- التخطيط: وهو عبارة عن عملية فكرية تعتمد على المنطق والترتيب والتقدير والمرونة وإيجاد البدائل ، ومن شواهده في القرآن قوله تعالى على لسان نبيه يوسف عليه السلام: ﴿قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِینَ دَأَبࣰا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِی سُنۢبُلِهِۦۤ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) ﴾ [يوسف: 47-49] .
وبهذا التوجيه القرآني الذي هدى الله إليه نبيه يوسف عليه السلام، فإنّ المسلم ملزم بالتخطيط المستقبلي لتفادي النكبات والأزمات التي قد تحيط بالأمة في كل مجال.
ومن الأحاديث النّبوية الدالة على التخطيط والعمل لتفادي تقلبات المستقبل حتى يحمي الإنسان نفسه ومن تحت ولايته قوله ﷺ لأبي بكر الصديق رضي الله عنه : «ولئن تدع أبنائك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس».
وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي ترك ناقته عند باب المسجد دون أن يعقلها: «أعقلها وتوكل» .
وفي هذا الحديث إشارة للإداري المسلم بأن يربط التوكل على الله بالاحتياط والتخطيط الذي لا يتنافى مع التوكل ولا مع القضاء والقدر.
٢ــ التنظيم: وهو بيان وتحديد الهيكل الذي تنتظم فيه علاقات السلطة والمسؤولية وهو كيان حي متحرك ولا بد من إعادته ليتلاءم دائمًا مع المتغيرات الداخلية والخارجية، وهو ما جاء به الإسلام قال تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ [الزخرف: 32] .
وهذا غاية في التنظيم، فهو تنظيم الكون والحياة بأجمعها.
ونجد في قدوم النّبي ﷺ أولى خطوات التنظيم وهي المؤاخاة حيث قال: «تآخوا في الله أخوين أخوين» فآخى بين المهاجرين والأنصار ليكونوا نواة لتنظيم المجتمع.
٣ــ التوجيه: وهو القدرة على السير الصحيح مع الموظفين ، وهدايتهم وتوجيههم مع إيجاد روح الود والحب والرضا والانتماء للعمل.
ولقد اعتنى الإسلام بالتوجيه وولاه رعاية خاصة لشحذ الهمم، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].
وهذا توجيه أعلى للقائد والمسؤول ، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237] وهذا توجيه عام للمرؤوسين والعامة.
٤ــ الرّقابة: وهي عملية ملاحظة نتائج الأعمال التي تسبق تخطيطها ومقارنتها مع الأهداف التي كانت محددة واتخاذ الإجراءات التصحيحية لعلاج الانحرافات ، وهي غاية الأمر ومنتهاه ، فبعد التطبيق الكامل يأتي دور التأكد من أن تنفيذ الأهداف المطلوب تحقيقها في العملية الإدارية تسير سيرًا صحيحًا حسب الخطة والتنظيم والتوجيه ، ولعل الإداري المسلم المؤمن هو المدرك حق الإدراك حقيقة الرقابة والعمل على إنفاذها سواءً على نفسه أو على غيره ، ومن شواهد الرقابة في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105].
وقوله عزَّ وجل: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ .
ومن السنة النّبوية حديث جبريل عليه السلام حين قال للنبي ﷺ: «فأخبرني عن الإحسان؟ فقال ﷺ : أن تعبد الله كأنك تراه فإنّ لم تكن تراه فإنه يراك».
وهذا من أعظم أنواع الرقابة الذاتية وهنا يتفاضل الناس فليس فقط بمقدار ما يحملونه من (علوم) الإدارة بل أيضًا بمقدار ما يُجيدونه من(فنونها) وأساليب تطبيقها.
مقالات سابقة للكاتب