من يكذب يدخل النار

يغتالني الشاعر شكري مصطفى في كل حرف ألف مرة بخيال يسوده النقاء ، فيقول : من قبل الطُّوفان اسمعني يا عبد الله .. و اخرج من أرضك واتبعْني .. في أرض فلاه .. أرض في قلبي لم يُعبد فيها الشيطان ..

اسمح لي فأرض قلبك أشبه ما تكون بالصبار ، و لتسمح لي بأن أستعير من خيالك حروف و أنهار ، و لتتبعني أنت إلى أرض في عقلي صخورها وردية ، و بحورها ندية ، ملابسنا فيها كاسية أفكارنا فيها عارية ، نسجنا خيوطها و أحكمنا تعقيدها و شيدنا قلاعها ، و حرفنا تاريخ أربابها ، و سميناها بـ [جمهورية عُرف ستان] و أبرزنا فيها ما نريد و ما لا نريد :

المرأة : هي ركيزة لا تكتمل رجولة المستشرقين إلا بتحررها ، و على النقيض هناك من يوجب الموت لمن يخدش حياءها ، و لكنه يقع في نفس الفخ (فخ الرجولة) فيكملها على حساب المرأة ، فعندما يرفض أحدهم هديته أو القدوم لمائدته لحظات يعجز فيها عن البيان و يبدأ لسانه بالهذيان ، و يقول ستقبل بهذا و إلا ( علي الطلاق ) ..

ففي جمهوريتي المرأة التي كابدت و عانت و أنجبت ، شيء لا قيمة له مقابل إثبات الذات ، متناسين قوله تعالى (واحفظوا أيمانكم ) ، و ما يترتب على ذلك من أحكام يدركها الجميع .

الرأي : في جمهوريتي السوقة و الأغفال و الأقيال و العظماء ليس لهم رأي ، و إن أوجدناه فنحن له غير مدركين !! ..

ما حكم قيادة المرأة للسيارة ؟ .. الجواب هو جائز لكننا نحرمه لأنه يجر مفسدة و هذا عين الصواب ..

ما حكم خلوة المرأة مع صاحب الأجرة ؟!! .. ما حكم معاملاتنا الربوية مع البنوك ؟!! .. ما حكم الرشاوى التي نقدمها لتسهيل أمورنا ؟!! .. و هلم جرا …. !!

صمت يسوده صمت فنحن مسيسين في الدين ، في العرف مسيرين … كلها في ديننا محرمة لكن في عرفنا أحكامها غير مجرمة ، فنحن نرفض ما يرفضه العرف ، و يقول الفيلسوف الإسلامي العقاد ( أن أغلب العلماء أجمعوا على أن العرف أخطر من حكم مستبد ) ، و لنا في الجاهلية أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه و سلم ، و موته على الكفر خشية أن يكسر العرف مثال يفسر الحال .

من يكذب يدخل النار : و من يقول الصدق يدخل ؟!! .. نقول لأطفالنا أنت أشأم من طويس ، و لن تصبح أبلغ من قيس !! .. قم للصلاة أنت ابن فلان ، ماذا سيقول عنا الناس ، و لانقول ماذا سنقول لرب الناس ؟!! ..

فلنسأل أنفسنا لو لمرة مثل هذه الأسئلة ، و لنستخدم الجزء الأيمن من الدماغ و لندغدغ أفكارنا لنناجز أعداءنا و ننصر حكامنا ، و لكن للأسف حقنت أفكارنا و أفكار أطفالنا بمثل هذه التفاهات ، فالخطاب الموجه خطاب ترهيبي بالدرجة الأولى ، فنحن لا نعرف سوى العقاب و النار و نتناسى قوله تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره ) .

الخطاب الديني : في جمهوريتي سنده موجود متنه مفقود ، فهو في قالب رمضاني على مدار العام ، و ألتمس العذر له لأنه بين سيفين رهقين ، سيف العرف و سيف السياسة ، فالخطاب يغدو منصور و يعشي مكسور أمام المتصيدين ، مما أتاح الطريق للجامية و المستشرقين و الليبراليين بمختلف مسمياتهم إثارة مواضيع لم يقم خطابنا الديني بشرحها و تفنيد تفاصيلها ، فنحن أحوج ما نكون إلى خطاب فكري منبعه الدين لنعرف كيف نستبسل عن ديننا بالروح و الفكر .

العنصرية : العنصرية هي من تقوم بالحل و الربط و هي سيدة الأعراف ، و تعريفها يختلف بحسب مقومات الشخص و المنصب ، فنستثني الفقير إذا اغتنى ليبدأ بالزئير ، و يستثنى صاحب البشرة السمراء ذو سلطة فنتجاوز عنه أي غلطة ، و الأمر من هذا كله من يجمعنا بهم الدين و لكنهم يسكنون خارج حدودنا فهمهم لا يهمنا ، و قلة زادهم لا تضرنا ، فيا أيها اللاجئ أعلم بأن ملجأك منفى ، و أعلم بأن نصفك غريق و نصفك الآخر في منتصف الطريق ، و أعلم أن قبلة أحلامك ألم و قبلة خيالي قلم ، و لكن ابتسم فأقصى مراحل اليأس و ألذها ابتسامة ، و يقول الشاعر ( ابتسم لعل الحرب تخجل ، ابتسم لعلها من جمال ابتسامتك ترحل ) ..

و لتصفح عني فهذا مفهوم متفاهم عليه عندنا ، فنحن نتباكى لمن يجمعنا بهم حدود العرف الضرير الذي امتد لتيران و صنافير ، فمبدأنا الأساسي يقول أفضل الحياة لمن هم داخل التيار .

بالحضن أيها الموت !! : نعم بالحضن فليشهد الثقلان بأن يداي ترتعشان و مقلتاي لرؤيتك شوقاً تسهران ..

هل نخاف الموت أو بالأحرى لماذا نخاف الموت ؟ .. نخافه إذا كان سيفقدنا من نحب و يجعلنا نقتات فتات الغربة و نحن في كنف من نحب ، فهنا حالة وحيدة يجتمعان فيها الحب و الموت ، فالحب الصادق و الموت الواقع كلاهما يسلب الروح فتزهق الروح مرتين .

أما بالنسبة للذات فلا خوف منه ، و لكننا نحن من صنع طوطم الموت و نقشنا له على الصخور فرماناً يملأه العجر و البجر ، و لنكمل صورة الترهيب قمنا بتسمية ملك اسمه ( عزرائيل ) و لم نعرف من الملائكة غيره ، فهذا الاسم منقول من الإسرائيليات ..

و ورد في القرآن الكريم بهذا الاسم ( قل يتوفاكم ملك الموت ) فملك الموت اسمه ملك الموت ، و إذا كنا نخافه بأي اسم كان لماذا ننجب و ننجب و ننجب ، أم لأننا عودنا أن نخافه ، و سنتخلص من هذا إن صدقنا مع المولى عز وجل ، و أصلحنا النية فحينها سأكون أول المستعدين لاستقباله بأطهر الكلمات ، فرغم ظلم الحجاج و قهره للعباد ، منّ الله عليه بكلمات قالها قبل موته : ( اللهم اغفرلي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل ) ..

إذاً فلنحاول العيش على الفطرة و ببساطة و ننبذ كل ما ينبذه الدين ، و لنكرر المحاولة فـ (جميع محاولات الفشل الصادقة ناجحة ) ..

و يقول محمود درويش ( لا نريد أن نكون أبطالاً أكثر .. و لا نريد أن نكون ضحايا أكثر .. لا نريد أكثر من أن نكون بشراً عاديين ).

 

مشهور عبدالعزيز الصحفي

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “من يكذب يدخل النار

أحمد الصحفي

لا فض وفك مقال جريء يعبر عن حال مجتمعنا بتشبيهات جميله وفقك الله

Yasser

مقالتك جميلة و أسلوبك في سردها ذكية مشهور أتمنى منك أختيار فكرة و تسترسل وفقك الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *