أرسَلَت إليّ: “أقدر اطلب نصيحة منك تخليني أشد حيلي برمضان؟ مرة فيني فتور بالعبادة الله المستعان ولا ودي يروح رمضان وأنا ما استغليته”.
ابتداءً فإن هذا الشعور الذي يخالجكِ؛ هو أمارة جيدة على حياة القلب، فإن من القلوب مَن يمضي يومه الرمضاني كما في سواه -مع فرق الامتناع عن الطعام والشراب فقط- دون أن يُحرّكه هذا لأي تأنيب أو سعي للرقي! ثم الأفضل من هذا الشعور هو السعي للعلاج الذي يبدأ بالبحث أو السؤال.
هذا السؤال مهم جدًا في رحلة كل واحدة منا لتربية نفسها وتهذيبها، وكذلك الأسئلة من نحو: “لماذا تبكي التي بجانبي في الصلاة وأنا لا أتأثر ولا أبكي؟ لماذا تقرأ فلانة أكثر من جزء وأنا لا أفعل؟ لماذا يتحمس فلان للصلاة وأعمال البر وأنا كما أنا! بل وأشعر بالفتور وأحايل نفسي للقيام وأدفعها دفعًا للصدقة؟” هي أسئلة مهمة حين تكون باعثةً على المنافسة، فتمنى الوصول إلى ما وصل إليه المؤمنون من الخير والطاعة هذا موضع غبطة ومسابقة ومسارعة، شريطة عدم تمني زوالها عن الآخرين. بل يُسر المرء لرؤية خصال الخير في غيره ويسأل الله من فضله. ومن جهة أخرى تكون هذه الأسئلة مذمومةً إذا دفعت السائل لليأس والقنوط، كأن يُحدث نفسه: “مضى الشهر ولا مجال، بلغ الناس وعلوا ولا سبيل للحاق، لا خير فيّ وفتوري هو الدليل” فمتى وجدتِ هذا الحديث النفسي؛ فأوقفيه، واستعيذي بالله، وابدئي من حيث أنتِ.
ذكّري نفسك بالنصوص الناهية عن اليأس والقنوط، ونصوص وسوسة الشيطان. اجعلي شعارك (اتقِ النار ولو بشقّ تمرة) و (لا تحقرن من المعروف شيئًا) فكل ما يصدر منكِ من طاعة ولو دفعتِ نفسكِ لأدائها دفعًا؛ فاستحضري أن هذا من مجاهدة النفس، واجعليه سببًا للتحسين والزيادة، ولا تفكري في الفتور ومدافعة النفس على الوجه الذي يوقفك عن فعل الطاعات بمرة.
لا يكن عدم الشعور بلذة الطاعة والحماسة لها موقفة للعمل! بل أدّي الطاعات واستحضري افتقاركِ إلى الله بأن يُرقق قلبك، ويُسيل دمعك، وأن يأخذ بناصيتك للخيرات. أدّي الطاعات واختميها بدعواتٍ.. تستحضرين معناها، وتأملي كيف أنكِ من دون الله لا تستطيعين! وإن صعب عليكِ استحضار الدعوات المأثورة؛ فاختصريها بسؤال الله من الخير كله، وسؤاله من فضله. إذًا أولًا استمري في الطاعات ولا تيأسي من نفسك، وثانيًا ادعي مستحضرةً فقرك لتوفيقه.
ومما أراه نافعًا في حياة القلوب في مواسم الطاعات -ثالثًا-: حضور مجالس الذكر والعلم بالقدر الذي يحفّز على الطاعة ويُذكّر بأُسُسها. والحمد لله فقد سهّلت وسائل التواصل هذا الجانب؛ حتى أصبح من الحسابات ما هو خاص بالدلالة على هذه المجالس الإلكترونية. وإن عدمتِ؛ فدونك اليوتيوب ممتلئ بالمحاضرات. الفكرة هنا -خصوصًا للمحاضرات التي تُلقى في حينها- أن تحفزكِ للطاعة مع الناس؛ وتثير فيك التساؤلات السابقة الدالة على الغبطة والغيرة المحمودة.
وأضيفي لما سبق -رابعًا-: التنويع أو المكاثرة، فكلما فترتِ عن طاعة فانتقلي منها إلى طاعةٍ أخرى، حتى تجدي الطاعة التي ينشرح صدركِ لها أكثر ويُفتح عليكِ فيها بسرور. فمن الناس مَن ينشط للصلاة، ومنهم مَن ينشط لتلاوة القرآن، وآخرين في أعمال الصدقة وتتبّع حاجات الناس لتلبيتها. وهكذا نَوّعي، واضربي بسهمٍ في جمعيها، مع حرصك وتركيزك في الإكثار على ما تنشطين فيه، دون انقطاع عن البقية. وهذا المعنى -التنويع والانتقال- مما تذكّرته إثر حضوري لمحاضرة بعنوان (السابقون في رمضان) فاستحضرتُه في إجابتي عليكِ، وهذا تحديدًا ما قصدتُه من أثر مجالس الذكر؛ أنها تُذكّرنا ما نسيناه فتُعيننا على الطاعة. {وذكِّر فإن الذِّكرى تنفعُ المؤمنين}.
خامسًا وأخيرًا: ينبغي أن يكون للقرآن خصوصية كبيرة من هذه الطاعات، ولا أقول في رمضان فحسب، بل في حياتك كلها، فوالله ستلمسين أثره، وأنا أقول هذا مع شدة التقصير؛ وذلك أن التقصير كذلك يعرف المرء أثره على نفسه؛ علّه يتعظ فيعود.
والشأن الذي أوصيكِ أن تحاوليه هو تلاوة القرآن بصوتٍ تسمعينه وتتمهلين فيه، ولو في جزءٍ من وردك؛ أزعم أن لهذا شأنًا على قلبك. وهذا يحثكِ على تحسين تلاوتك بحسب الأولويات، فإن كانت قراءتكِ سليمة فتحاولين تحسين تجويدكِ، فإن كان تجويدكِ سليمًا فحاولي تحسين مخارجك. لا أقول اهتمي بهذا فيما بقي من الشهر الآن بالضرورة، بل اجعلي هذا من أهدافكِ ومشاريعك.. فلا أدري كيف يتأثر المرء بالقرآن إن كان لا يعرف كيف يقرؤه؟ أقول هذا لا لكِ خاصةٍ لخلل أعرفه منكِ، بل أقوله لما سمعتُه من قراءة كثير من الطالبات الجامعيات!
واشفعي التلاوة الصوتية بمدارسةٍ لآياتٍ تستوقفكِ، فإن تلوتِ ولفتكِ شيء؛ فراجعي التفسير بعد التلاوة.. افعلي هذا ولو مع آية، اجعلي هذا ديدن لكِ، وعادة لكِ: تلاوة بصوت -ولو لصفحة-، ووقوف مع المعنى -ولو لكلمة-. ويُعينك على هذا أن تقرئي من المختصر في التفسير أو الميسر في التفسير، بحيث يكون التفسير الإجمالي مع المصحف.
لأصدقكِ القول.. قد يكون كل هذا فيه شيء من الصعوبة، لا أقول في البدء بل في الالتزام به. لكن خذي الأمر بروية، فكلما قصّرتِ أو توقفتِ؛ لا تيأسي، بل عودي..
هذا ما يتطلّبه الأمر: مجاهدة النفس بشكل دائم، ولا أدري لماذا حين نرى المحافظين على النوافل وهم كبار في السن نظن أنهم وُلدوا هكذا! بل هم قد مروا بمثل هذه اللحظات الجهادية مع أنفسهم.. كل هذا أقوله لنفسي قبلكِ.
وتذكري هذه الوصية النبوية: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) استعيني بالله ولا تعجزي، استعيني بالله ولا تعجزي، استعيني بالله ولا تعجزي، هكذا دائمًا حدّثي نفسك.
جمانة بنت ثروت كتبي
مقالات سابقة للكاتب