قال الله تعالى في سورة لقمان ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) .
فعندما أمر الله سبحانه و تعالى الإنسان بطاعة الوالدين ، بل و حتى قرن تعالى الأمر بالإحسان إليهما بعبادته ، لمكانتهما و مايجب أن يكون كذلك شأن الوالدين عند الأبناء ..
فالأم هي مصدر الحنان و الرحمة و لا يعرف ذلك حقيقة إلا من فقدها .. عندها سوف يشعر بالضياع؛ الكل ينادي أمي و هو يجلس يرمق من ينادي أمه فيشعر بمرارة اليتم تسري في جنبات جسده فتترجم إلى دموع و آهات ملتهبة يغذيها الحزن و ألم فراق الأم ..
“أمي” معناها حياتي التي تسري بين جنبي … معناها الحضن الدافئ و اللمسات الحانية … فهل يكفي يوماً واحداً لنجعله عيداً للأم ؟! .. ألا يجب أن تكون كل الأيام معها و في كنفها أعياداً ؟! .. لأننا لا نشعر بفقدان هذا العيد إلا يوم فقدان تلك الأم .. فالعيد ليس إلا فرح و ابتسامات و بهجة ؛ أوليس الأم هي هذه الصفات ؟! .. إذاً نحن في عيد طالما أننا بالقرب من أمهاتنا ، فإذا ما غادرتنا إنقطعت أعيادنا .. فما أسعد من كانت لديه أم .
حقيقة و أنا أسطر هذه الكلمات تكاد العبرات تخنقني و أناملي ترتجف و تكاد تخونني عن إكمال هذه الأسطر ، لأنني يوم فقدت “أمي” أحسست باليتم و أنا رجل كبير بل و متزوج ، فنحن مهما كبرنا نظل أطفالاً عند أمهاتنا ، فما أن يداهمنا الهم و الحزن حتى نهرع إلى تلك الصدور الحانية و نهرول إلى الحضن الذي لا يمكن مهما كبرنا أن يعاقبنا أو يصدنا أو نستغني عنه .
و لقد قال الله تعالى منبهاً إيانا ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما ) ، و لفظ “أف” هي إسم فعل مضارع بمعنى إتضجر .. و هي في ميزان الكلمات لا تعني الكثير و لكن في ميزان ديننا الحنيف فهي كبيرة من الكبائر.
و من يحتفلون بيوم واحد للأم فهم قد هضموا حقها .. يوم واحد نحتفي و نحتفل بالأم و طوال العام نجابهها و نواجهها بالعقوق .. أليس هذا هو الظلم بعينه ؟ ..
كيف لنا أن نحتفل و نجعل للأم عيداً و هي أجمل أعياد حياتنا ؟! .. أيتها “الأم” يا أجمل أعياد الدنيا .. يا أرق وردة نبتت في دنيا الناس و نشرت عبيرها و شذاها الفواح و عمت بأريجها كل الأكوان .
يا فطاحلة اللغة و البلاغة دلوني على كلمة في قاموسكم تجسد معنى الرحمة و الحنان و التضحيات أجمل من كلمة “أمي” .. أمي يانبع الحنان الذي يروي كل الظامئين العطاشا السائرين في رمضاء هذه الحياة و هجيرها .
فيا أيها الشباب و الشابات .. يامن إشتد عودكم بعد أن كنتم نطفة في بطون أمهاتكم و عانت من حملتكم و هناً على وهن ، و قاست آلام الوضع و الله أعلم بما عانت و قاست ، و أرضعتكم حينما لم تكونوا قادرين على رفع أيديكم إلى أفواهكم ، وسهرت لأجلكم الليالي الطوال و جافى جفونها النوم من أجل راحتكم و سعادتكم و هنائكم و هدهدتكم في أسرتكم و لسان حالها يقول :
لو جاء يوم يفرق بيننا بموت .. فكن أنت الذي يتأخر .
و هل يكون جزاء من كانت هذه حالها معكم أن تواجه بالعقوق و نكران الجميل ؟! و أي جميل أكبر مما صنعت هذه الأم ؛ إحرصوا على سعادتها عند كبرها و لا تتوانوا في الحدب عليها و ابتغاء رضاها فإن رضى الله من رضى الوالدين .
أخيراً .. فإن أفضل ما يكون مسك الختام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله أحد الصحابة عمن يكون أحق بحسن الصحبة ، فقال صلى الله عليه و سلم ( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ) .. فصلى الله على معلم الناس الخير و على آله و صحبه و سلم .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب