من منّا لم يكن لاجئ في يوم من الأيام ..؟
ومن منّا لم يعش مشاعر اللُجوء واللآجئين ؟
نعم جميعنا عشنا لاجئين ، وعشنا رهبة اللُجوء ، بغض النظر عن عمره الزمني وكيفيته وكيف بدأ وكيف انتهى وكل تفاصيله ، لأن الأهم من هذا كله أنه قد حدث بسبب الخوف ، فكان الهروب ، ومن ثمّةَ البحث عن الحماية وطلب اللُجوء إلى المكان و الملاذ الآمن ، وهو في الغالب الأعم كان (خلف ظهر الجدّةَ ) ، ذاك السد المنيع الرحب الذي يقف كل أب وأم أو أي مُتجاوز علينا عاجزاً عن تنفيذ أي عقوبة توعدنا بها !!
نعم .. أنه اللُجوء الوحيد الآمن الغير مشروط الذي ليس له حدود ومخيمات وجوازات ولا بُلدان و بُروتوكولات ولا مسموحات و ممنوعات ومسنُونات ، فقط تمُد الجدّةَ يديها بكل حب الدنيا ، ويكن حجاب حاجز تسقط أمامه كل التهديدات وكل مخاوف العالم في لحظات ، وينسحب من أخافنا رغماً عنه ، خائباً يجر أذيال الهزيمة ونحن نتمدد في أرجاء تلك المعمورة والتي هي عرين الجدّة كالأسود والنمِرات ، تملؤنا نشوة الإنتصار وكلمة الجدّة القاصِمة تُجلجل مُدوِية في الأرجاء (والله ماتضربه )
ألم يعش معظمنا هذا الشعور الأسطوري بزهوٍ كشموخ الجبال الراسيات .. ؟ حتى وإن اختلف شخوصه حسب الأعمار والمواقف ، ولكنه يبقى في فلسفته الوجدانية أيقُونَة مُعجِزات ، ودعم هائل للمعنويات ، ولُجوء لا يقل أهمية بل ويطغى ويفوق أمان اللُجوء العالمي بكل أطيافه وإن توالت تترا تترا ..
ألم تحتمي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم !! عندما خافت من أبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فأي ملجأ وأي سند وأي ملاذ لاذت به رضي الله عنها خلف ظهر نبيّ الأمّه وحماها من أبيها !! وهي مكسورة الجناح ، بأبي أنت وأمي يارسول الله ، هذا كله يُجسد ما أرنو إليه عن ( أقدم لُجوء) في العالم ذاك اللُجوء الذي وثبنا إليه واستغثنا به بعد الله في حال ضعفنا ومنحتنا إيّاه من وهن العظم منها واشتعل الرأس شيبا تلك التي تملك القوة اللوجستية وبتلك السُلطة منحتنا حق اللُجوء فكان أمان العالم بأسره خلف ظهرها ، أنه حقاً أحنّ لُجوء وأقدم لُجوء ، فهنيئاً لكل من تمتع بهذا النوع من حق اللُجوء .
مقالات سابقة للكاتب