من واقع تخصص علم الاجتماع .. أكتب هذه الكلمات التي آمل أن تؤدي دورها كما هو الهدف منها.
*من الطبيعي أن تختلف وتتعدد أدوار الإنسان في حياته.*
فمرة يكون أبا ومرة يكون أخا ومرة تكون أما او أختا او صديقا او مديرا او معلما او موظفا أو بائعا او مشتريا أو قائدا لسيارة .. وهكذا الحياة.
*والعجب في كل هذه الأدوار أن لنا في ديننا لها أدب.*
فما أعظم أثر هذا الدين في حياتنا !!
والمقصد من المقالة ضرورة أن يتمثل أو يتقمص الإنسان دوره بناء على طبيعة الوضع الذي هو فيه أو الوظيفة التي يكون فيها أو مسؤولا عنها.
بمعنى حينما يكون الانسان أبا وفي محيط داره فإن معنى الوالديه والمسؤولية يجب أن يكون حاضراً لديه.
وأمانة حمل مسؤولية الوالد أو الوالدة معلومة أصوله من حيث الرعاية والحماية والنفقة والتربية وكل ما يجعل البيت محل أنس وسعادة.
الإشكالية هنا في أن يدخل الوالد أو حتى الوالدة ويخرج و ينسى أو يغفل أو يتهاون في هذا المعنى وبالتالي يترتب على هذا التهاون والتقصير من التصدع الذي يمتد إلى وقوع مشكلات أسرية وأمنية في المجتمع.
أن يقضي الوالد جل وقته خارج البيت ويريد أن يكون بيته قيما سليما أمينا مطواعا .. هذا خلل !!
وأن تخرج الوالدة إلى حيث الفضاء المفتوح دون أن تلقي بالا لما يترتب على خروجها من تبعات .. هذا كذلك خلل !!
ليس القصد أن لا يخرج الإثنان أبدا .. إنما أن يؤخذ بعين الاعتبار مدى تأثير هذا الفعل على انسجام البيت وتأمين وأمان من فيه.
ويزيد الأمر إشكالا أن يزيد معدل الخروج ليس للحاجة وإنما لغير حاجة مطلقا ..!! حيث صرف الوقت دون أي اعتبار لمقتضيات المسؤولية الوالدية.
كما أن الخروج المفرط من الأولاد يقلق الوالدين وربما تسبب بنوع من الألم الذي لا يجب أن يتسبب به فلذات أكبادهم لهم.
كما يصح الكلام على الفتيان والفتيات؛ بأن أدوارهم التي من المفترض أن يؤدوها داخل البيت تعكس معاني البر لوالديهم وأن يستشعروا أن ضمان وأمان مستقبلهم معقود في جمال أعمالهم وأفعالهم مع والديهم .. والاهتمام بما هو متوقع أداؤه منهم من الحرص على دراساتهم وأعمالهم وخدمة البيت ما أمكن.
وبيوتنا سكن .. هكذا دورها من السكون والراحة .. ولا يجب على من فيها أن يكون حاداً .. أو جادا طوال وقته .. وعليه ( أن يبتغ بين ذلك سبيلاً).
وتقمص الدور المقصود هو أن نتحاشى أن نلعب دور الأبوة في محيط غير محيط الأسرة* .. فربما يسحب بعضنا معنى أبوته إلى مناسبات أخرى وكأنه وصي عليها كما لو كان في محيط بيته !!
حينما تخرج من باب بيتك أصبحت رجلاً آخر لك في الحي دور ولك في السوق دور ولك في وظيفتك دور وفي قيادتك لسيارتك دور وعليك أن لا تخلط الأدوار بعضها ببعض.
ففي مجلس يضم إخوتك يبقى أن مجريات الحديث أن تتمثل دور الأخ فيما بينهم .. بل حسب مقادير الأعمار فيما بينكم .. فلا تسبق من هو أكبر منك في جلسة أو دخول أو خروج او ما لا يخفاكم من أدب المجالسة.
المهم أن دور الأخ في المجلس غير دور الأب أو حتى الصديق.
وما يصح قوله في حق الرجل يصح في حق المرأة كذلك.
*وفي الأخير احترم تخصص غيرك !!*
بعضنا في حواراتنا يصبح أحيانا مفتيا وربما لم يفتح كتابا شرعيا طيلة حياته !!
وبعضنا يصبح طبيبا استشاريا وهو لا يعرف من الطب إلا اسمه !!
وهكذا .. تجد أمامك أحيانا محللين سياسيين وفلاسفة وهم أحوج ما يكونون إلى *( حكمة الصمت)* !!
*ما أجمل أن نفكر دائما في طبيعة أدوارنا وأن نلتزم (مقاديرنا) حتى لا تتأثر ( أقدارنا) سلبا عند غيرنا.*
✍ وحينما تكون معلما وريثا للأنبياء في هذا المعنى.. فكن كذلك.
فهناك من يجعل الأجيال تكره عملية التعليم .. وعلى هذا وأمثاله جناية على تاريخ ومستقبل أجيالنا سواء أكان في قاعات التعليم العامة أو في أروقة الجامعات .. التعليم هو الغذاء الأساسي وخزينة المستقبل لكل دولة ويجب أن نحمي هذا الغذاء من كل ما يلوثه.
*حينما نقوم بأدوارنا في التعليم بأمانة ومسؤولية إنما نغرس في طلبة مستقبلنا معاني عظيمة في خدمة دينهم ومجتمعهم ووطنهم.*
استحضار هذا المعنى في أدوارنا التعليمية يجب أن يكون أولوية في قاموس حياتنا وتعليمنا.
✍ وعلى كرسي الإدارة والوظيفة .. فالأصل في كل إدارة ووظيفة أن يكون لها توصيف حتى يعلم من يقوم بها لدوره فعلا .. فلا يتعدى على صلاحيات غيره ولا يقصر في أداء ما يجب عليه !!
*إشكاليتنا أحيانا هي أننا لا نملك وصفا ( صلاحيات .. مهام .. أهداف) وبالتالي تختلط علينا الأدوار فنصبح في دوار ..!!*
تجد من يقود المؤسسة وكأنها شركة خاصة .. أو مؤسسة عائلية .. وتجد من يشعر الآخرين وكأنهم يعملون له .. لا معه !!
وقد تكون عسكريا ممن يتشرفون في خدمة أمن الوطن .. وعليه فأصول وآداب العسكرية تستخدمها في محيط وظيفتك لا في مجالسة أحبتك
وتربيتك لأولادك وفي بيعك وشرائك.
*وكن _ ونحن كذلك_ خير عسكري في كل ما يمس أمن وسمعة وطنك في أي زمان ومكان كنت !!*
*وفي جلساتنا ومجالسنا* .. ما أعظم الاحتياج إلى أن نتقمص أدوارنا بما يمليه علينا الأدب دينا ودنيا .. حيث نحتاج إلى أن نشعر الكبير بيننا بقيمته وأن نفسح له المكان لجلوسه .. وأن نتحدث حينما يحتاج الحديث لمداخلتنا .. فالمؤسف أن من الناس من يستلم زمام الحديث وكأنه ) *(المتحدث الرسمي للجلسة)* فله على كل كلمة تعقيب وله في كل حوار معارضة !!
ومن هؤلاء من يوم أن يجلس حتى ينتهي المجلس وهو يحمل المايكروفون معه .. وربما حمله معه إلى مجلس آخر أو إلى بيته فتحدث عن ما كان في الجلسة من أمور لا تصلح أن تثار في كل مكان ..!!
وفي مجموعات الواتس آب وغيرها ما يكشف عن شيء من طبيعة الشخصيات ونبلها وأدبها من التقدير والإفادة والدعابة .. أو التنفير..!!
ومهما تكن أدوارنا ومكاناتنا بين الناس فإن هناك
(مكانة) تعلوا كل المكانات !!
بل هي ترفع من شأن المكانات كلها .. هي مكانتك عند الله.
هذه ليس لها أي تصنيف أو تكييف إلا أن تكون رباني الوجه والتوجه .
والمكانة الربانية هي أن تكون هاديا مهديا .. تعلم وتعلم كل ما من شأنه رفعة شأن دينك ومجتمعك ووطنك.
*أخيرا ..*
إذا كان لكل مقام مقال .. فإن لكل شخص طبيعته وأدواره .. وقدراته ومهاراته .. ولكم جميعا أن تتأملوا الأدوار ما ذكر منها وما لم يذكر حتى نكون أقرب إلى طبائع الأمور وسجيتها لتكون حياتنا أكثر لطفا وأنسا وسعادة وعبادة.
وجمال المكان والمكانة ان تكون
مباركا اينما كنت في كل أدوارك.
لك في كل جلسة ولقاء أثر جميل في كلمة أو لفتة أو خدمة.
*وكل الحذر من أتعس دور في الحياة أن نتمثل دور الشيطان لنسيء لبعضنا أو نجرح مشاعر بعضنا بأي لمسة أو همسة أو لمزة مهما كانت.*
(وأن نتمثل أدوارنا يعني أن نكون نحن على طبيعتنا وسجيتنا وأن لا نتكلف الأمور .. كي لا نشعر غيرنا بالتكلف في تعامله معنا).
*كن كما أنت .. فيما لا كلفة فيه .. فعدم الكلفة تعني استدامة الألفة.*
وحتى يكون الناس لك كما تحب .. كن لهم كما يحبون !!
أ.د خالد الشريدة
مقالات سابقة للكاتب