التربية بالرحمة

يسعى الإنسان إلى ترك أثرٍ طيب ونافع في حياته، ويمتدُ هذا الأثر؛ ليظلَّ باقياً بعد وفاته.
وحتى يفلح المرء في تحقيق هذه الغاية السامية؛ عليه أن يكون واعياً بعدة أمور من أهمها، الوعي بالقوة الكامنة في نيته ومشاعره.
فمشاعر الإنسان ونيته تجاه أمرٍ ما؛ تزيد من قابلية تحققُّه، بل تكسوه رداءً من الجمال والبهاء.
فالآباء والأمهات يجتهدون في تربية أولادهم بناءً على دورهم الكبير في التنشئة السليمة لهم.
وبالرغم من ذلك، قد يقع بعضهم في خطأ أثناء تربيتهم لأولادهم؛ عندما يحاولون توجيههم استناداً لمشاعر الغضب أو الإكراه؛ فيكون التأثير لتربيتهم ضعيفاً، ونِتاج جهدهم دون المأمول، بل لا يحقق تطلعاتهم في أولادهم.
وسبب ذلك -كما يفسره أهل الاختصاص في الوعي الإنساني- أنَّ كُلَّ فعل يصدر عن مشاعر سلبية؛ لن يُثْمر عن نتائج إيجابية. والعكس صحيح.
إنَّ وعينا بمشاعرنا ومعانيها يعتبر عاملاً مؤثراً في تطورنا الإدراكي للحياة عامةً، وتربية النشء بشكلٍ خاص، فكلما تشكّلتْ لدينا أفكاراً سلبية عن ذواتنا، وعن هؤلاء النشء؛ نكون في عِداء مع أرواحنا؛ وبالتالي تكوُّنتْ هذه العداوة بداخلنا، ثم نقذف بها في وجوه الأبناء.
وهكذا نمضي -واهمين- نبتغي صلاحاً لهم، وحلولاً لمشكلاتهم، بينما المشكلات نفسها تتأجج بداخلنا.
إنه من الخطأ الذي يقع فيه البعض في التربية، التركيز على السلبيات، وتجاهل الإيجابيات.
ذلك أنه ‏لا شيء يُخرج أفضل ما في أولادك، أسرع من تركيزك على أفضل ما فيهم. كما أنه لا شيء يُخرج الأسوأ لديهم، أسرع من تركيزك على أسوأ ما فيهم.
ويمكن لنا استدراك هذا الخطأ التربوي الذي نقع فيه عبر إعادة تَدبُّر آيات مشاعر الرحمة، ودلالاتها الإنسانية والتربوية.
ولعلَّ في قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيء) خطاب يفيضُ بمشاعر الرحمة بالخلق، كما أنه يرسم لنا منهاجاً تربوياً في التعامل مع الأبناء.
وفي رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-
قدوة حسنة في التربية، وصلاح النشء،ذلك أنه كان ينطلق من مشاعر الرحمة للناس والرفق بهم.
وكما قال الشيخ عايض القرني عنه صلى الله عليه وسلم:
 “وزكّاه من فوق سبع سماوات،فقال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ).
وكما قال عنه ربّه ومولاه:
(بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
وهكذا نجدُّ أن الوعي بقوة مشاعر الرحمة، والاستزادة من التربية القرآنية، والهدي النبوي يمنحنا خارطة طريق نحو تربية سليمة لأولادنا.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *