صناعة التفاؤل

🖋️التفاؤل من الصفات الحميدة التي كان يُحبُّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من آثار حُسْنِ الظن بالله والإيمان به تعالى، والرجاءِ فيه، بتوقُّع الخير بما يسمعه من الكلم الطيب.

ويُعتبر التفاؤل من الصفات الرئيسة التي يتحلى بها كل إنسان ينشد السعادة ويطمح في النجاح ويسعى إليه.

وقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ». قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ».

◾️ نماذج من المتفائلين:

-إمام المتفائلين ﷺ :
وهو نبينا عليه الصلاة والسلام وقدوتنا وأكثر الناس بِشراً وتفاؤلاً ؛ ولا أدل على ذلك مما حدث في غزوة الأحزاب، وما حصل فيها من عناء ومشقة ومن نقص الغذاء وبرودة الجو، ومعاناتهم في حفر الخندق، والحصار الجماعي الذي قامت به القبائل العربية واليهودية على المسلمين، ومع ذلك كله كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يغرس في أصحابه الأمل والتفاؤل، ويبشرهم بفتح بلاد فارس، والشام واليمن.

-تفائل الصالحين :
وإذا قيل الصالحون فحيهلاً بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  فهم أصلح الناس وأتقاهم.

وقد أرسل أهل الكوفة كتاباً إلى أمير المؤمنين الخليفة الصالح عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلبون منه المشورة بغزوة نهاوند.وقد حمل الكتاب إليه قريب بن ظفر، فلما قدم على عمر بالخبر، قال: ما اسمك؟قال: قريب بن ظفر.فقال عمر رضي الله عنه : “ظفر قريب إن شاء الله”.أخذ من قريب بن ظفر “ظفر قريب إن شاء الله” تفاؤلاً.وكتب جواب الكتاب إلى أهل الكوفة كما جاء في كتاب “الإصابة”.

◾️ عوائق التفائل:

للتفاؤل عدة عوائق تعيق الإنسان عنه وتضعف بصره وبصيرته فمن ذلك:
🔹 ضعف الوازع الديني :
يعد فقد الوازع الديني من أقوى معوّقات التفائل لعدم حسن الظن بالله والاتكال عليه سبحانه ، فيجب على المسلم أن يكون متفائل وأن يتوقع الأجمل والأفضل لأنه في معية الله وفي حفظه ورعايته، والله سبحانه يُحب المُتفائلين ويُعطيهم على تفاؤلهم،
‏فثق بوعد ربك حيث قال جل جلاله :
‏{وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً منه وَفَضْلًا والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

🔹 التشائم :
فالتشائم هو أحد أهم العوائق في طريق التفاؤل وهو الداء الذي ينتاب كثيراً من النفوس ، وهو الذي جعل الكثيرين ينظرون للمستقبل نظرة سوداوية فنجدهم باستمرار يعودون أدراجهم للوراء بحثاً عن بصيص أمل مفقود! .

قُل للذي مَلأَ التشاؤمُ قلبَهُ
‏ومضى يُضيِّقُ حولنا الآفاقا

‏سرُّ السعادةِ حُسنُ ظنِكَ بالذي
‏خلَقَ الحياةَ وقسَّمَ الأرزَاقا

🔹 اليأس :
لا ييأس من رحمة الله وعفوه وكرمه إلا من أخطأ سبيل الصواب، وغفل عن رجاء الله عزوجل الذي لا يخيب من رجاه .
قال تعالى : ﴿ إِنَّهُ لا يَيْأسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
اما المؤمن فمتفائل ومؤمن بوعد الله تعالى فدوماً قلبه معلَّق بالأمل بالله – عز وجل – فهو الخالق وحده لا شريك له، ومدبّر الأمر كله:

اليأس يقطع أحيانًا بصاحبهِ
‏لا تيأسنَّ فإنَّ الكافي اللهُ

🔹 كلمة (لو ) :
نهى النبي ﷺ عن الإكثار من كلمة (لو) لما تحملُ في طياتها من التشاؤم وعدم الوثوق بوعد الله تعالى لقول الرسول ﷺ : “اسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ “.

🔹 القنوط من رحمة الله :
وهو من يقنط ويستحسر ويبعد الرجاء والأمل ،ويتوقّع إصابته بالفشل والخيبة، واستبعاده للفرج بعد الشدائد ؛ والفرح بعد الحزن ، واليسر بعد العسر.
قال تعالى : ” لا يَسْأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ ”
فينبغي على المسلم أن لا يقنط من رحمة الله سبحانه فرحمته واسعة وفضله عظيم .

لا تَقنَطَنَّ إذا ما شِدَّةٌ عَرَضَت
‏أو غُمَّةٌ في ثنايَا الصَّدرِ تَعتَلِجُ

‏سَيُرسِلُ اللّهُ ما تحيَا النُّفوسُ بهِ
‏والصُّبحُ عمَّا قَريبٍ سَوفَ يَنبلِجُ

◾️ ثمار التفاؤل:

للتفاؤل ثمراته الكثيرة اليانعة والتي يجنيها المسلم المتفاؤل والواثق بوعد الله تعالى ومن ذلك:

🔸 حسن الظن بالله تعالى :
فحسن الظن من العبادات القلبية التي طالما غفل عنها كثير من المسلمين، قال الله عزوجل في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظن بي ما شاء”.

والمسلمُ مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال .

قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : (الفرق بين الفأل والطِّيَرة: أنَّ الفأل من طريق حُسْنِ الظنِّ بالله، والطِّيَرة لا تكون إلاَّ في السوء فلذلك كُرِهَت).

🔸 التوكل على الله سبحانه :
فالتوكل على الله عبادة المؤمنين ، وسبيل الصادقين، وملجأ المخلصين ، وباب المتقين ، وهو من أسباب النجاح ،قال الله تعالى :{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.

🔸 الاقتداء بالرسول ﷺ :
فإنه يجب علينا الاقتداء بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام فهو الأسْوة، الذي أمرنا الله تعالى أن نقتديَ به ، فقد كان يتفاءل في حروبه وغزواته، قال -تعالى- : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ .

🔸 تجديد الأمل :
وهو أن يتوقع المؤمن ويأمل الخير دائماً وأبداً ويحسن الظن بالله تعالى ، فالتفائل يبعث في نفس المسلم الرجاء، ويقوِّي عزائمه ويُجدِّد فيه الأمل قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

أُعلِّلُ النَّفسَ بالآمالِ أرقُبُها
ما أضيقَ العيشَ لولا فَسحةُ الأملِ

🔸 القدرة على مواجهة العقبات:

فالتفائل يمنح القدرةَ على مواجهة المواقف الصعبة، واتخاذ القرار المناسب، ويتيح للمسلم رؤية المواقف الصعبة على أنها مواقف مؤقتة يمكنه تجاوزها وقد شبهها شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله – بقوله:

” العوارض والمحن هي كالحر والبرد، فإذا علم العبد أنه لابد منهما لم يغضب لورودها، ولم يغتم لذلك ولم يحزن “.
وقد صدق شيخ الإسلام في تشبيهه فهذه الصعاب والعقبات سرعان ما تنجلي بالتوكل على الله تعالى والتفائل والدعاء :

وإنِّي لأدعو اللهَ حتى كأنّني
أرى بجميلِ الظنِّ ما الله فاعلُهْ

🔸 المرونة في العلاقات الاجتماعية:

فالتفائل يجعل الإنسان أكثرَ مرونةً في علاقاته الاجتماعية، وأكثرَ قدرةً على التعايش مع الناس ومخالطتهم فتجد الإبتسامة لا تفارق محياهُ والتغاضي منهجه وتقدير الآخرين سلوكه ومنهجه .

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- وهو يذكر فوائد حديث خيبر وأن فيه : “جواز التفاؤل، بل استحبابه بما يراه أو يسمعه مما هو من أسباب ظهور الإسلام، كما تفاءل النبي ﷺ برؤية المساحي والفؤوس والمكاتل مع أهل خيبر، فإن ذلك فأل في خرابها” .

والتفاؤل شعبةٌ من شعب الإيمان، فالمؤمن يفرح بفضل ربه وبرحمته، ولو لم يفعل ذلك ويئس؛ فإنَّ إيمانه سينقص ولا ريب.

وقد أكدّت العديد من الدراسات التي أجريت أنّ الإنسان المتفائل يتمتّع بمناعةٍ مضاعفةٍ عن الإنسان المتشائم، وذلك لأنّ جسم الإنسان المتفائل يفرز بعض الأنواع من الهرمونات التي تساعد على زيادة كفاءة الجهاز المناعي لمساعدتهِ على التصدّي لمختلف الأمراض التي من الممكن أن يتعرض لها وتعصف بعقله وحياته.

فيجب أن نربي أنفسنا وأجيالنا على التفاؤل في أحلك الظروف، وأقسى الأحوال ، وأصعب المواقف ، فالمتفائلون هم الذين يصنعون المجد ، ويكتبون التاريخ، ويسودون الأمم، ويقودون الأجيال.

أمَّا اليائسون والمتشائمون، فلن يستطيعوا أن يبنوا حياةً سوية، وسعادةً حقيقية في داخل ذواتهم، فضلاً عن أن يصنعونها لغيرهم، أو يُبَشِّرون بها سواهم؟ وقديماً قيل:”فاقد الشيء لا يعطيه” والمؤمن هو من يسير في هذه الحياة متفائل معطاء يجني من ثمار التفاؤل ويقدمها للآخرين ولا يلتفت لعوائق التفاؤل وعقباته على حد قول الشاعر:

‏وأسيرٌ في الدُنيا وغُصنُ عزِيمتي
‏صَلبُ وبابُ تَفاؤُلِي لايُغلَقُ

‏لَن تُطفئ الأوهام نُورَ تَفاؤُلي
‏فَأَنَا القويّ وَهِمَّتي لاتُزهَقُ

‏أحيا ونورُ الله يَسْكُن أضلُعي
‏فعلامَ أمضي في الحياةِ وأقلَقُ

🔘نبضة:

الفأل والإيجابية من صفات سيد البشرية ﷺ والحياة السعيدة تحتاج منا إلى الكثير من التفاؤل وعدم اليأس وتغذية النفس بالعديد من عبارات التحفيز والايجابية.

 

 

منى الشعلان

مقالات سابقة للكاتب

5 تعليق على “صناعة التفاؤل

د.خالد الدريس

‏⁧‫‏تمجيد اليأس وتحقير الفأل ‏ليس سوى إفلاس عقلي وروحي..
‏لم ينجز اليائسون إلا الكسل والتذمر والكثير من الضجيج اﻷجوف !

مها المسملي

‏الفأل وحسن الظن بالله يُعطي دافعًا للعمل والتقدم إلى الأمام، فإن المتفائل عنده أمل أن يكون حاله في مستقبله خيرًا من يومه، وبأن يعوض فيه ما فاته، وأن يتجاوز العقبات والشدائد.. يقول الماوردي: «الفأل فيه تقوية للعزم، وباعث على الجد، ومعونة على الظفر».

جواهر الحسن

‏أُمرت أن تتفاءل حتى في أصعب الظروف..
‏لأن التفاؤل محفز للنفس ..
‏والتفاؤل يجعلك تحسن الظن بالله ..
‏والتفاؤل يعينك على العمل والسعي والمحاولة ..
‏لذلك التفاؤل من صفات العظماء والمتميزين والمبدعين ..
‏بعكس التشاؤم ‏فهو من صفات الخاسرين لأنه يعزز فيهم الشعور السيء فلا يعملون.

إبتسام المانع

‏التفاؤل هو أن تتعلق بفرج الله حتى ولو كانت المعطيات كلها ضدك، فالبحر أمام موسی والعدو خلفه، ومع ذلك قال: ﴿كلَّا إِنَّ مَعيَ ربِّي سَيَهدِين﴾.

د/مياده حجازي

♦️‏دعوة للتفاؤل :

‏توقعاتك للأفضل دائمآ لهادور كبير في صناعة حياتك .
‏التفاؤل كالشمس خارجة من ظلام الليل فلابد من خروج بريقها الذهبي لإنارة حياتك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *